البلقاء اليوم -
البلقاء اليوم -السلط
تجتهد نخب بارزة في طبقة الحكم الأردنية في محاولة تفسير وتحليل الخطوات الأخيرة للقصر الملكي رغم عدم وجود ما يكفي من المعطيات والمعلومات وبطريقة تصل إلى استنتاج شبه موحد فكرته أن البلاد مقبلة على انتخابات عامة وشيكة والحكومة والبرلمان الحاليين في طريقهما للرحيل. مقاربة وزير الداخلية الأسبق الجنرال حسين المجالي الواردة في مقال مباغت له أمس الأول تحدث بوضوح عن الإستنتاج الأخير. قبل ذلك تحدث رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي عن تعديلات دستورية متسارعة تسبق خطوة إصلاحية كبيرة من وزن الإنتقال لمستوى حكومات برلمانية وحزبية وهو ما تحدث عنه علناً ايضاً رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز. وجهات نظر متسارعة خلال الساعات القليلة الماضية تتوقع جملة «تغييرات» خاطفة في الطبقة العليا بمجرد عبور التعديلات الدستورية من مجلس الأعيان بعدما أقرها مجلس النواب أمس الأربعاء. بعض التقديرات تحدثت عن نهاية الأسبوع الحالي كسقف زمني يحدد أجندة الأسابيع المقبلة والأبعد تشير لمطلع شهر حزيران في أبعد تقدير. رئيس الوزراء الحالي الدكتور عبدالله النسور وبعد التعديل الوزاري الأخير بحقيبتين مال للصمت ويكتفي بمراقبة التكهنات وهي تشاغب على مستقبل الحكومة القريب. لكن النسور وإستناداً إلى مصدر مقرب جداً من القصر الملكي كان ولا زال من رؤساء الحكومات المرضى عنهم جداً والذين يحظوون بدعم خاص قد لا يستمر بعد عبور التعديلات الدستورية. الدليل الأبرزعلى حظوة النسور تمثل في انه لم يزاحم أو يناكف في ثلاث مساحات اساسية هي تطبيق مبدأ الولاية العامة والملفات الخارجية ووصفات صندوق النقد الدولي. خلف الكواليس تبدو عملية البحث عن «رئيس وزارة يخلف المحبوب عبدالله النسور» متسارعة بنسبة ملموسة. تفكير المطبخ المحيط بمؤسسة القصر الملكي يكثف الجهد على رئيس وزارة بـ «خلفية اقتصادية» بسبب الحاجة الملحة للاستثمار مالياً واقتصادياً في معادلتي «العمق الجديد» للعلاقات مع السعودية أولاً. والخصومة العلنية مع إيران ثانياً بعدما سقطت من الحسابات معادلات الإستثمار في القضية الفلسطينية. الغموض لا زال يحيط بالوعود والتعهدات التي قطعها الأمير السعودي محمد بن سلمان للملك عبدالله الثاني في العقبة لكن لوحظ بان العاهل الأردني «امتدح» علناً وبصورة نادرة الرؤية الثاقبة للأمير الشاب بعد مقابلته الشهيرة على قناة «العربية» كما لوحظ بأن الأمير تحدث بدوره بإيجابية عن الأردن. وسط مجالسات السياسيين الكبار يتردد ان القيادة الجديدة في السعودية لا تميل للرئيس النسور ولا تعتبر حكومته «صديقة جداً» بسبب ما تسرب مرات عدة عن ملاحظات نقدية بعضها كان علنياً على لسان النسور نفسه حول تجاهل السعودية لدور الأردن في حماية حدودها. المعنى ان «قفزة» معقولة للعلاقات مع السعودية تتطلب «وجهاً جديداً» في إدارة الطاقم الحكومي الأردني خلافاً لوزارة النسور التي استنفدت برنامجها. العامل السعودي بدلالة الواقع السياسي أصبح مؤثراً في جملة التغييرات الداخلية في الأردن. هنا حصرياً ووسط حمى البحث عن خليفة أو بديل معقول بخلفية إقتصادية للنسور تم سراً تقليب ملفات عدة وحددت مواصفات قبل تحديد الأشخاص المؤهلين كبديل عن النسور. حظوظ الدكتور هاني الملقي الرئيس الحالي لمفوضية مدينة العقبة تبدو جدلية في السياق فالرجل مرشح قوي الآن لخلافة النسور بكل المعايير وحتى مصادر أوروبية دبلوماسية قالت لـ»القدس العربي» بأن عاهل الأردن يعبر عن ميله لتعيين الدكتور الملقي رئيساً لوزارة جديدة. الملقي للتذكير كان وزيراً لخارجية بلاده ولاحقاً سفيراً في القاهرة عندما نحت دبلوماسياً المقولة الشهيرة التي تحذر من «هلال شيعي يطوق النظام السني العربي»، الأمر الذي يجعله قريباً من عناصر القلق من إيران ومن المربع السعودي. الملقي ايضاً عمل ولازال يعمل لسنوات في مدينة العقبة التي شهدت لقاءً مهماً لم يكشف النقاب عنه بين الملك ومحمد بن سلمان وهي نفسها المدينة التي يخشى الأردن ان تدفع ثمن الجسر العملاق المنوي إنشاؤه بين مصر والسعودية مما يجعله قادراً على مفاوضة الطرفين المصري والسعودي على خسائرالعقبة مستقبلاً. اسم الملقي تردد بقوة خلال الساعات القليلة الماضية لكن الحماس له في بعض مستويات الدولة العميقة «فاتر جداً» لأسباب تتعلق بالتقديرات الأمنية وبكلفة الحرص على الاستعانة لاحقاً بنخبة الشخصيات «المطيعة». في الأثناء برز مجدداً رجل الدولة المخضرم والمحنك والخبير الأبرز بـ «الملف الخليجي» عبد الكريم الكباريتي الذي رد على تقارير وتسريبات تطرحه بديلاً للنسور بطريقة «ذكية جداً» عندما حذر من ضرورة التركيز على حقيقتين لا يمكن إغفالهما. الأردن لن يكون في المرحلة اللاحقة من «أولويات دول الخليج» والواقع الموضوعي يقول بان حدود الأردن مع العراق وسوريا اليوم بيد إيران، هذا ما قاله الكباريتي في إجتماع الهيئة العامة للبنك الأردني الكويتي. لم يعرف بعد ما إذا كانت تعليقات الكباريتي «في السياق» وتمهد لدور جديد له ام تصريحات هدفها الباطني الإسترسال في الإبتعاد عن دائرة الأضواء والقرار والزهد بالمناصب أو رفض المقارنات اصلاً أو حتى الهمس ببعض اشتراطات «العودة المنتجة». الكباريتي لم تعجبه في الماضي الطريقة التي تدار بها الأمور وأغلب التقدير أنه شخصياً لا يريد دخول مزاد الترشيحات. لكن الأهم ان لقاء العقبة مع محمد بن سلمان خلط الأولويات بالأردن داخلياً هذه المرة رغم غموض تفاصيله وأجندته فالنسور يتحدث الجميع عن رحيل وشيك لوزارته والملقي يقفز كمرشح والإنتخابات لم تعد «متأخرة قليلاً» والتعديلات الدستورية الأخيرة تسارعت لـ «تطمين» الجوار الخليجي قبل الدخول في معمعة «حكومات الأغلبية البرلمانية». القدس العربي