البلقاء اليوم -
البلقاء اليوم -السلط
تبرز الكثير من المواقف الأصيلة في حركة المجتمع وفضاءاته، تتمثل بعضها في ثقافة الاعتذار وإعلاء قيم الفضيلة، في زمن تصدعت فيه بعض القيم الاجتماعية وتراجعت إلى الوراء ، مما يجعلك تتفاءل بأن الدنيا ما تزال بخير، وأن الشيم الكريمة ما تزال مزروعة في نفوس الكثيرين. كانت عبارة " اعتذر أنا ضربت سيارتك وهذا رقم تلفوني"، قد أحدثت وقعا ايجابيا لدى أمل عوني ، عندما عادت إلى سيارتها بعد أن أنهت معاملة لها في احدى الدوائر الحكومية، لتجد هذه الورقة على سيارتها، مما جعلها تفكر مليا بأن أصحاب الضمير الحي ما يزالون يعيشون بيننا، إذ كان بامكان هذا الشخص الذي ضرب سيارتها أن يتهرب أو يختفي، وقد حصل ذلك مع العيديد من الاشخاص ، لكن الوازع الداخلي جعله يحترم نفسه أولا، ومن ثم يحترم الأخرين، ويقدم اعتذاره وتحمل مسؤولية أي اجراء مهما يكن . وتقول " في أحيان كثيرة يصاب الانسان بالإحباط من بعض المواقف لدى الاختلاف مع الاخرين، ويخذلك بعضهم من خلال تصرفات سيئة ، أو عندما تسمع القصص التي تؤثر على بنية المجتمع، والمشكلات التي تحدث هنا أو هناك، لكن عندما تجد أشخاصا يتمسكون بالفضيلة فهذا ينعكس ايجابيا على حركة المجتمع" . وبدوري -كما تسرد- قابلت هذا التصرف بالتسامح والتنازل عن حقي،لان مثل هذه التصرفات تجعلك تقابلها بالمثل. وتدعو إلى العودة الى القيم الحقيقة التي كان يتميز بها المجتمع الأردني، الذي تحكمه عادات وتقاليد ، ولكن بفعل الهجرات واتساع منظومة المجتمع ظهرت قيم دخيلة علينا اصابت مظاهر الحياة وسلوكيات بعض الناس وساهمت في تدمير بعض القيم التي كنا نتحلى ونفتخر بها في بلدنا. يقول (طارق )الذي تسبب بالحادثة لدى الاتصال معه،"يجب ان يتصرف الانسان بحسن نية وبضمير حي تجاه الاخرين ،لأن الامور قد تكون العكس ، فأنا لا اتمنى أن تحصل معي مثل هذه الحوادث ولا حتى مع الاخرين". ولا يجد محمد كساب، ضيرا من أن يبادر الشخص الى الاعتذار ،لان مثل هذا التصرف يعزز الفضيلة وقيم التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع ، فيما العكس يؤدي الى بروز ثقافة الغدر والعنف والكراهية بين الناس . ولا يتفاجأ كساب من مثل هذا المواقف ،والممارسات داخل المجتمع،لأن عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا تدعونا الى ممارسة هذه السلوكيات،معتبرا أن ما أصاب المجتمع من هزات هي مرحلة تمر بها جميع المجتمعات،وأن وجود مثل هؤلاء الأشخاص بيننا في المجتمع، يجعلنا نؤمن على بيوتنا وأنفسنا وعلى بلدنا،لانه كان بأمكان هذا الشخص أن يتهرب دون أن يراه أحدا. ويرى استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور مجد الدين خمش، ان التصرف الذي قام به الشخص يدل على الرقي والمسؤولية والأخلاق الرفيعة التي يتمتع بها ،وهو اسلوب حضاري محل تقدير واحترام يثبت مسؤولية الفرد تجاه الاخرين وتجاه المجتمع، مما يترك اثرا ايجابيا عند الاخرين يستحق عليه الاحترام. ويقول خمش " تخيل لو أن هذه الفتاة عادت الى سيارتها ووجدتها مكسورة دون ان تعرف من فعل ذلك، ستكون مستاءة وربما تتصرف تصرفا خاطئا يولد لديها العنف،وتفقد ثقتها بالناس، اما ما حصل فقد عزز لديها الثقة بالآخرين، وعمق روح المواطنة، وجعلها تتسامح معه، وبالتالي تعمم سلوكيا ايجابيا يمكن الانسان من ان يأمن على حاجاته وحقوقه ويزيد من التماسك بين أفراد المجتمع. ويتساءل لو أن مثل هذا السلوك الايجابي اصبح ثقافة عامة يمكن ان يولد العدوى، ويصبح عادة وثقافة عامة بين المواطنين، ويثبت ان المجتمع الأردني يتحلى بدرجات عالية من المسؤولية تجعله محط احترام بين مختلف الشعوب، وخاصة أن الناس في الاردن ومهما حدث من تحولات يتصفون بالطيبة والمسؤولية، وأن أي سلوكيات تحدث بين الفينة والاخرى هي بعيدة عن عاداته وتقاليده . وينص قانون السير الاردني بحسب المادة 31 الفقرة 22 منه : أن فرار السائق عن مكان حادث ارتكبه تسبب باضرار مادية أو عدم تبليغ اقرب مركز أمني او أي دورية شرطة يعاقب بالسجن بمدة لا تقل عن اسبوع ، ولا تزيد عن شهر او بغرامة لا تقل عن خمسين دينارا ولا تزيد عن مئة دينار . وكان المجتمع الاردني يضع ستارا حديديا حتى لا تدخل اليه بعض العادات والتقاليد الغريبة عنه وتسيء لهويته وثقافتة، وظلت ثقافة الاعتذار والتسامح والعفو هي السمة التي تتحصن فيها العائلة ورمزا لها في خضم التحولات الاجتماعية والثقافية السريعة...، ولكن مهما حصل من تناقضات فان الممارسات الايجابية هي التي تطغى على حركة المجتمع .