البلقاء اليوم - 
صحيفة البلقاء اليوم الالكترونية معاذ عصفور احتفلت رابطة الكتاب الأردنيين فرع السلط – محافظة البلقاء بتوقيع ديوان الشاعر عيد النسور " شراك الصقيع " الذي القي فيها بعض قصائده , قصيدة الطف ، وقصيدة معبد الفراشة ، وذلك ضمن اللقاء الأسبوعي للرابطة في صالون الثلاثاء وتحت عنوان (قراءة نقدية لديوان شراك الصقيع) تحدث فيه الدكتور محمد عطيات بحضور عدد كبير من رواد الرابطة وعدد من رؤساء وأعضاء الهيئات الثقافية والمجتمع المدني , ومحبي الشعر ، وقد أدار اللقاء الدكتور غالب عربيات ،ومما جاء في القراءة والتوقيع للعطيات : أيها الذوات الكرام طاب مساؤكم وصباحكم وطاب ما بين الصباح والمساء من زمن الأنبياء والشعراء الكبار, والمحاربون الشجعان, لا يموتون، ولا يطويهم العدم ويلتحقون بمجمع الأبطال ومحفل الخالدين, ويتحولون إلى رموز وأساطير يشكلون ثقافتنا اليومية ,ولا يمكن للإنسان العربي أن ينجز ويتقدم إذا بقى فكره ونشاطه محصورا في إطار ما هو مسموح به تفكيرًا وممارسةً ، فالإنجاز والتفوق والإبداع الأصيل يكون بمعرفة واكتشاف ما لا يعلمه الآخرون، فالإبداع تجاوز للراهن و السائد والمألوف ‘ هوميروس اليوناني ،وشكسبير الانجليزي، وغوته الألماني، ودانتي الروماني، وهيغو الفرنسي، وامرؤ القيس، وشوقي، والسياب ،ونزار قباني، واحمد مطر ،وعرار، صوتهم لا يزال حاراً عذباً؛ لأنهم يمتلكون خاصية جمالية التغير والإبهار والتأثير في المتلقي. الشعر الابقى وهو خالد ، والوجه الأجمل في حضارة الإنسان ، الشعر لغة مدهشة محببة ، و ارتقاء في ذهنية المتلقي لأنه يملك الحلم والطموح ، و يرفض القهر والابتذال. اسمحوا لي أيها الإخوة السامعون وأنا فتى سبعيني بكامل شبابي، وصاحب ديوان الشعر الذي نحتفي بظهوره الصديق عيد النسور كهل ستيني بكامل شيخوخته الوقورة، أن يكون الشعر والديوان حديثا متناولا ومتداولا هذا المساء. أظنكم توافقونني على أن يكون مداد قلم الشاعر بفراسة دم الشهيد وطهارة الأطفال الأبرياء، وجرأة فدائي شجاع ، ولذة النص الشعري تكون في بثها لقيم الحب والخير والجمال والتسامح، وفتح آفاق المعرفة الطازجة وغسل وجدان الناس، وهروب إلى المستقبل . قبل أكثر من نصف قرن حدث تغيير في مسيرة الشعر العربي والغربي، كان تقليديا عموديا ولكنه حافظ النغم والوزن والتفعيلة ،وفي عام 1954 حيث أنجبت مسيرة الشعر قصيدة نثر علي يد الناقد اللبناني يوسف الخال وفيها ظهرت الموسيقى الداخلية للنص الشعري وظهرت الجملة النثرية الفنية بالملامح والرؤى الشعرية . في هذا المساء بين أيديكم (شراك الصقيع) فلنحاول إن نقلب صفحاته وجمله وقصائده ولنعطها شيئا من الإمعان والاهتمام والدراسة . فأجدني مدفوعا لقراءة شعر الصديق عبد النسور بعين المحب مكبراً فيه نشاطه و اندفاعه لكي يكون شيئا ما في عالم الثقافة، واهتمامه بتحويل بركة الوعي في هذه المدينة على الأقل و أسجل ما يلي : 1_ تنتمي قصائد الديوان في نحو 80% منها إلى قصيده النثر وإلى القصيدة النثرية القصيرة وهي مدفوعة ببراءة تجديد الشعر والالتفاف حول الشعر العربي التقليدي ولباس ثوب الرمزية ففي (قرية الدفلى) يدعو احد الحكماء العراة للاحتشام بعد أن مل الصولجان انحناءاتهم وطلب منهم التستر ولكن قال له العراه، لن ننحني و نحن عراة وهي لحظه استيقاظ الوعي عند المنافقين ( طبقه حراس التخلف) وللقارئ ذائقه ثقافيه فيما يسمع. 2_ النثرية الموغلة في الخطاب الشعري جعلت محبي قصيده النثر يكتفون باللمح والانطباع الذي تخلفه في ذهن السامع والقارئ ، وهذه النصوص يكتبها شعراء بكثافة وتحتل الصفحات الثقافية فهي جزء من تراثنا الأدبي شئنا أم لم نشأ، ولكن هذه ألقصيده لم تتمكن من أن تحتل ثقافة المفكرين وطلبه المدارس، ولم تدخل في الكتاب المدرسي، ولعل خفوت الموسيقى فيها يجعلها مادة ثقافيه غير رسميه حتى اليوم. 3- في الديوان عدد من القصائد التقليدية الجيدة، حافظت على عامود الشعر وأظنها أفضل ما في الديوان، وتراوح بين الرمزية والواقعية التي تطل برأسها يقول : لم يبقَ في ارض العروبة غير أشباه الرجال ص186 . ويقول :من الشعر التقليدي المتقدم ,وأنا انصح الصديق بالتوجه إلى هذا العدد والإكثار منه . من قصيدة أحلام ص 13. فلولا الريح ما ماجت بحور ولا رقص النخيل لزارعية ولا رفت جدائل فوق نهد ولا رق النسيم لعاشقيه ، وفي الغزل صور شعرية ترقى إلى الشعر العربي الذي يحُفظ ويعتز به يقول : وقلت سميرتي وسراح بيتي سكبت بحضنها أغلى عهودي وآنت الدفء في قرّ الليالي ونبضة خافقي ودم الوريد . و يقول: عيناك في غربة الصحراء أشرعتي ووجهك الباسم المحبوب شطآني .ففي هذا الشعر حركة حياة ,وانتماء كشجرة الشعر العربي الأصيلة . 4- في الديوان مهارات لغوية مجازية تطفو، وفيها ملامح الجدة اللغوية , يقول تعاوت الرياح ,وثمة علاقة بين صورة الرياح والعواء عند الكلاب. يقول بعض أحلامنا تتشظىّ أوجاعي للعشب اليابس. وجهة نظر لماذا لا تلتهم النيران الأخضر أولا . ويقول: ولدت رضيع ابتسامة أمي ، ضحكت أرقت فكان الهوى قدري . ويقول : الشارعان المثقلان بأوهام الظلال تأبطا نور الشمس وارتحلا، ويدندن أبو معن : من رموش جفنها و بوح عينيها، تعلمت الحب طفلا وشقاوة الغزل. ويقول: سأبقى حارساً كرمي ولن عيني تنام. والطبيعة ماثلة في مخيلة الشاعر؛ كطائر الدوري، والسنونو، يقول: عذرا لطائر السنونو رأيتك ترحل عن وادينا. ولا بد من الاعتراف بأن هذا اللون من القصيدة يحمل صورا من الرومانسية المعاصرة المنتزعة من أحلام اليقظة المطعمة بالفلسفة المشروعة التي نادت بها الأفكار الحديثة في العالم العربي. يقول في ص27 ولماذا كل الأماني حافية لاذت بالفرار، لم يبقَ سوى وجع ودماء , وشرخٍ تأبّط أحلى وأغلى الجِرارْ . أقف إمام هذه الصورة الجمالية الذاتية المنزوعة من الواقع الممزوج بالحلم وبمحطات اللا وعي فهو يقول : الأحلام ترقص ضاحكة حتى البكاء ( من حكايا النجوم ص79) والنجوم تموت بلا كفن ووطن. وفي قصيدة شراك الصقيع حشد من الأساطير تكثر فيها اصطلاحات مثل: الذئب الجليدي، سيدة الخصب ، انكيدو, السومري ،كنعان ،ميشع ،العنقاء. ولكن الصديق لم يجعل هذه الأساطير تنطق بالحكمة ،ولم تتحرك في بركة الحياة فيجد القارئ فيها طعاما لوعيه،ومتكئا يرقى به إلى الأعلى ؛ فهل وظيفة الشعر حشد هذه الأسماء فقط، ليته وظفها توظيفاّ جمالياّ تاريخياّ أسقطها على الواقع الماثل ، ولكن هذه الصور المجازية تعطي السامع منفذا لفهم الواقع المتحرك بالمتغيرات السياسية والفكرية. فالشعر ليس حبرا على ورقا وكلمات، وإنما هو وعي و وجع ، وصبر، ومعاناة، وجماليات، وموسيقى، ولن نبخس الديوان حقه ,فهو يحمل شيئا من ذلك ويبقى مزيجا، من مدارس الشعر العربي، وتخلو شعر أخي عيد النسور من المدح المجافي والمبالغات الرخيصة، وتمجيد الأقزام، فهو لم يبع شعره لأي مسؤول شأن بعض الشعراء الذين يزيفون واقعهم وحبرهم وقصائدهم. وبعد, في الأردن يتوالد الشعراء كما يتوالد الأرانب ويربو عددهم عند آلفي شاعر ولهم نحو 1700 ديوان شعر ,لم يصعد شاعر أردني إلى أن يكون شعره في مناهج دولة عربية . ويبقى الديوان خروجا عن الشعر المتخصص بالعمودي، أو التفعيلة أو قصيدة النثر، فقد جمع ألوانا من هذه التيارات.
