السياسي العربي ،هو الآخر لا يستطيع ان يخلع "أبوّته الشرقية" عندما يذهب الى الدول الديمقراطية والغربية المتحضّرة..
اقصد أن الأب عندما يجلس مع أصدقائه خارج البيت ، لا يتوانى عند مدح أولاده وبيته وإدارة زوجته كما لا يغفل كفاحه وتفانيه وإصراره على إسعاد أولاده والعدالة فيما بينهم.
على سبيل المثال يبدأ كلامه بكل ثقة وترتيب وأبوية صالحة : ( الحمد لله ابني يحيى خلص دكتور و بعمل اختصاص بألمانيا ، والأصغر شايش - الله يخليلكوا - كمل هندسة كهربائية من التكنو وهسع طلع له بعثة يكمل ماستر ودكتوراة بأمريكا، البنت عايشة صيدلة برضو من التكنو وتجوزت الصيفية الماضية ، انا بقول لهم شو بدكو يابا انا جاهز..اللي بدي يقرا بقرّيه واللي بده يتجوز يجوزه واللي بده يشتغل بعطيه مصاري وبقله روح الله معك..والله جاب لي ام يحيى بنت حلال اشهدها بالله...أيدي بأيدها بهالحياة..عمرنا ما تزاعلنا او اختلفنا ولو ع سنّ كبريت لا سمح الله ) فيعجب الجميع من مثالية الأب ويتمنون لو أنهم يعاملون أبناءهم كما يعامل أبناءه، ثم يسترسلون بالتمني ويغبطونه على نجاح أولاده ، كما يغبطونه على زوجته المطيعة الذكية الدافئة الجميلة المناضلة ...
لكن عندما تعمل صورة "زووم إن" على حياة الرجل الذي يتحدّث للغرباء عن إدارته لبيته...تجده على خصام مع ابنه يحيى لأنه خالف رغبته ودرس "المحاسبة" بدلاً من "الطب البيطري" ، وقد سافر لألمانيا هجرة وهروبا من "تمحين" الوالد وليس حباً في الدراسة... كما ان "شايش" لم ينجح في التوجيهي للسنة الثالثة على التوالي ولم "يشمّ" الهندسة بعد ، اما"عايشة" فكانت امنيتها ان تدرس الصيدلة وآثر أبو يحيى ان يدرسها "معلم صف" كي لا يدفع رسوماً أعلى للساعة ، وها هي تعمل معلمة في روضة ومدرسة زهرة الخبّيزة الخاصة...ناهيك أن ادارة البيت مزاجية ، ثمة تقتير شديد بالمصروف، وتبذير شديد على الكماليات ، كما ان علاقة الحج مع الحجة "مثل العمى" فمنذ حرب الخليج الثانية لم ينطق لسانه باسمها او يوجه كلمة لها، فهما في خصام دائم وانفصال عاطفي مزمن...
الوضع السابق هو مشابه تماماً ...عندما يذهب سياسي عربي الى الدول الديمقراطية تراه يتحّدث عن وطنه وكأنه لا يختلف كثيراً عن الدولة التي يزورها ، حيث يتحدّث عن الديمقراطية وحرية الرأي المطلقة ،ويصر على المساواة بين المواطنين، وان الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة هي المنهج الذي لا يمكن التخلي عنه ، كما انه لا "يقصّر" بالتباهي- امام الأغراب- في الثروة البشرية وعقول ابناء الوطن ، وأهمية البلد الاستراتيجية، وعن فرص الاستثمار..ولهول الوصف الذي يمارسه ، يخّيل للمستمع أن تلك الدولة..هي رقعة خضراء سقطت سهواً من الجنة...فسكانها ملائكة ، وحكوماتها "باباوية" طيبة ومتسامحة ومحبة ونزيهة ...
لكن عندما تعمل زووم ان على الواقع تجد: الديمقراطية "تعكز" برجل واحدة، كل من يقول رأيه يفقد شعره مباشرة تحت ماكنة مأمور السجن،وأن المساواة لا تحدث الا بين المسؤولين أنفسهم ، وان الثروة البشرية معظمها هاجر بحثا عن لقمة العيش، اما من بقي في البلد ..هو من لم يجد ثمن تذكرة السفر...
الكلام المثالي...حلو جداً..
لكن ليته يغمّس بـ"خبز" الواقع حتى يشبع الأمعاء الجائعة!!...
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com