البلقاء اليوم -
صحيفة البلقاء اليوم الالكترونية ----
بقلم : د . سمير محمود قديح باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية صدر في العام ١٩٩١ وباللغة الانكليزية في كندا، والولايات المتحدة كتاب أصبح الان في مزبلة التاريخ (دائرة الخوف) يروي قصة الجاسوس العراقي حسين صميدة الذي تفاخر بتجسسه على شعبه، وارتمائه بأحضان الموساد. _ حسين صميدة جاسوس تباهى في كتابه (دائرة الخوف) بتجسسه ليحصل على حق اللجوء السياسي في كندا، وعلى دعم المنظمات الصهيونية لكتابه بالترويج له لعله يصبح من مشاهير الجاسوسية في العالم. منذ بداية الكتاب يبدأ الجاسوس حسين علي صميدة بإلقاء اللوم على والده الذي دفعه للخيانة!!! لأنه (أي والده) كان يضربه وهو طفل صغير، وكان جافا معه، ولا يشتري له الهدايا والألعاب كما يشتري الآباء لأبنائهم. ولأن أباه كان أحد رموز نظام البعث العراقي ومن المدافعين عن صدام حسين الرئيس العراقي الراحل، فقد أصبح حسين صميدة يحقد على أبيه، وعلى صدام حسين ويفكر بأفضل الطرق للانتقام منهما.!! وكأن حسين صميدة الطفل الوحيد الذي ضربه أبوه أو أساء معاملته! لم يوضح لنا حسين صميدة في كتابه لماذا كان يضربه أبوه لكن أحداث الكتاب على الأقل تكشف لنا كيف أن الطالب حسين صميدة كان مستفيدا من مرتبة أبيه الحزبية، والسياسية حيث كان يتلقى معاملة خاصة من المعلمين في المدرسة والتحق بأفضل الجامعات في بريطانيا، وكانت سيارة خاصة تنقله من وإلى المدرسة، فيما الآخرون يذهبون سيرا على الأقدام. حسين صميدة كما جاء في الكتاب ابن علي محمد صميدة أحد أقطاب النظام العراقي في عهد صدام حسين، وتونسي الأصل هرب من تونس في أواسط القرن العشرين لأنه كان من المعارضة التونسية وتوجه إلى سوريا ثم إلى العراق ليلتحق بنظام البعث العراقي ويصبح من رموزه. أمه عراقية شيعية ورغم انحيازه إلى طائفة أمه نكاية بأبيه، كما يدعي، لم يترك لها شيئا تفتخر به عندما رمى نفسه في أحضان الموساد وتجسس على الطلاب السوريين، والفلسطينين، والعراقيين، بل وضع على جبينها وصمة عار ستظل تلاحقه وتلاحق أبناءه من بعده الذين سيكتشفون عندما يكبرون أنهم كانوا أولاد رجل خان شعبا، وأمة وأهلا وبلدا احتضنته. ولأن الكتاب قد جاء ليخدم الأغراض الصهيونية التي جند نفسه مجانا للدفاع عنها فهو يبدأ بالتساؤل في الصفحات الأولى للكتاب: - لماذا لم تكن المناهج التعليمية في العراق تعلمهم عن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود على أيدي النازيين؟ ولم يكن يثيره لماذا لا يعلم اليهود في إسرائيل أبناءهم عن الجرائم التي ارتكبوها بحق الفلسطينين، والمصريين، واللبنانيين، والاردنيين؟! إن الطريقة التي يقدم فيها الجاسوس حسين صميدة كتابه وتاريخ حياته تؤكد -كما يصف- نزوعه إلى الخيانة منذ كان طالبا في إحدى مدارس بغداد. ولا أدري إن كان يشرح ذلك ليتلقى وساما من الموساد أم لكي يكشف بوضوح نزعته الخيانية مما يعطينا انطباعا أن والده كان يضربه لأعماله الشاذة وليس العكس. فهو يشير في صفحة رقم (7) أنه عندما قرأ عن الجاسوس الإسرائيلي – كوهين – الذي أعدمته سوريا أعجب به، وتمنى لو كان (إيلي كوهين) أباه!! وفي ص (18) يتباكى حسين صميدة على اليهود المساكين وما فعله نبوخذ نصر -أحد ملوك بابل القديمة- بهم عندما دمر مملكتهم في أرض كنعان ونقلهم أسرى إلى العراق، ولم يعلق عما فعله اليهود أنفسهم في تلك الفترة بالكنعانيين، والفلستينيين، والمؤابيين، وغيرهم عندما كانوا يقتلون حتى الرضع منهم بدعوى أن الرب أمرهم بذلك كما تشير كتبهم التواراتية المزعومة. في صفحة (33) يتباكى حسين صميدة في كتابه المليء بالأحقاد عن اضطهاد النظام العراقي ضد الشيوعيين العراقيين ولكن يضيف إليهم اليهود، فهو يساوي بين الشيوعيين المناضلين في حينه من أجل عراق حر ديمقراطي، وبين اليهود الذين كانوا يتجسسون لحساب إسرائيل في العراق والذين ألقي القبض عليهم واعترفوا بجرائمهم التي ألف عنها الكاتب المصري ( فريد الفالوجي) كتابا شاملا يوضح تغلغل الموساد بين أوساط اليهود العراقيين ودفعهم للتجسس على العراق من خلال استخدام أساليب الدعارة والمال، لاسقاط بعض العراقيين. وهو بذلك يسئ للشيوعيين العراقيين كما أساء بعضهم لأنفسهم فيما بعد عندما ارتضوا الارتماء في أحضان الولايات المتحدة لتخلصهم من نظام صدام حسين، بدل أن يناضلوا هم أنفسهم لتخليص العراق ممن نظام الفرد الواحد. ولد والده علي محمد صميدة في تونس عام 1935 لجد لديه أكثر من زوجة. وبعد وصول الحبيب بورقيبة إلى السلطة في تونس بدأ أبوه بالعمل سرا ضد النظام البورقيبي فسجن وحكم بالإعدام. لكنه استطاع الهرب إلى مرسيليا ثم إلى سوريا. وهناك انضم إلى حزب البعث. لكنه لاحقا هرب إلى العراق بسبب انقسامات حزب البعث في سوريا وانضم إلى حزب البعث العراقي على أنه جزائري، وأخفى عن المسؤولين أنه تونسي، والتحق بجامعة بغداد. وهناك تعرف أبوه على أمه العراقية الجميلة الناعمة كما يصفها واستطاع أن يتزوجها عبر نفوذه الحزبي مع أنها لم تكن تحبه حسب ادعائه. يصب في الكتاب جام غضبه على رجال الدين الشيعة، ويصفهم بالكذابين وباستغلال مواقعهم لمصالحهم الشخصية، وارتماء بعضهم في أحضان النظام الإيراني. فهو لم يترك أحدا في العراق لم يشتمه ولم يحقره حتى أنه تجسس في بداية حياته على منظمة حزب الدعوة الإسلامي لصالح المخابرات العراقية، وعندما أصبح جاسوسا رسميا للموساد عرض عليهم أن يستمر في تجسسه على حزب الدعوة الإسلامي لكنهم رفضوا ذلك وأصروا على أن الأولوية للتجسس على الآخرين، وقد شعر بالإحباط لأنهم رفضوا وكأنه كان يريدهم أن يلاحقوا كل العراقيين بمختلف مبادئهم مع أنه يشير أن سبب التحاقه بالموساد هو كرهه لوالده ولصدام حسين فما علاقة حزب (الدعوة) المعارض لأبيه بذلك؟ ولماذا كان يطالب إسرائيل بالتجسس عليهم؟ بعد التحاقه بالموساد الإسرائيلي قبِل العمل جاسوسا ضد الفلسطينيين، وضد سوريين ليس لهم علاقة بأبيه ولا بصدام حسين مما يكشف بوضوع كذب كل ادعاءاته وزيف حقيقته بأنه ليس سوى جاسوس سيلقى في حاوية الزبالة، واستحق لعنة كل العراقيين الشرفاء. - بداية الخيانة . يقول في ص 56 ما يلي: في إحد الليالي خطرت على بالي فكرة غريبه، الموساد فكرتي القديمة بأن أكون (إيلي كوهين) العراقي. وكلما حاولت النوم قفزت الفكرة إلى رأسي، موساد! الاسرائيليون! إذا عملت مع الموساد سأنتقم من والدي ومن صدام حسين. لماذا لا أعرض عليهم خدماتي؟! في الصباح، جلست، وكتبت رسالة إلى الموساد، ولأنني لا أعرف عنوانهم كتبت على المغلف ما يلي (السفارة الإسرائيلية- لندن). وقلت لهم في الرسالة إنني عراقي أعرض عليهم التعاون معا لمحاربة الناس الذين نكرههم معا. إذا أردتم التحدث في الأمر أرسلوا أحدكم إلى مدينة (مانشستر)، فندق بريطانيا في الشارع الرئيسي. وقد ضربت لهم موعدا وأشرت عليهم أن يضع مندوبهم وردة حمراء على ملابسه. كان ذلك عملا جنونيا، لكن عذري الوحيد أنني ابن 19 سنة. لم أكن أعلم أنه عمل سخيف. طبعا لم يأت أحد، لذلك قررت الذهاب بنفسي إلى السفارة الإسرائيلية. كنت مثل (دانييل) الذاهب إلى عرين الأسد. بدأ الجاسوس حسين صميدة بوصف تجسسه وخيانته وارتمائه في أحضان الموساد. سأنقل لكم ترجمة كاملة لعدد من الصفحات كما وصفها هو بنفسه، ومن فمه يدين نفسه. يقول في ص57 وفي الصفحات اللاحقة: "تقع السفارة الإسرائيلية في لندن في منظقة (هاي كنجستون) كانت تحت حماية أمنية مشددة ليس مثل بقية السفارات في العالم. لأن الأسوأ كان محتملا. كان ذلك اليوم ماطرا، تعرضت إلى تفتيش أمني، وسألني الحارس: - لماذا أنت هنا؟ فهمستُ له: - أريد أن أقابل أحد مسؤولي الأمن. قال لي بعد أن تغير لون وجهه: - لماذا تريد رؤيته؟ قدمت له بطاقتي وقلت له: أريد رؤية أحد مسؤولي الأمن والمخابرات. قطب الحارس حاجبيه، وقال للحارس الثاني الذي يقف بجانبه بلهجة ساخرة: - هذا الحقير يريد مقابلة أحد أفراد الأمن. نظر الحارس الثاني إلى بطاقتي، دقق فيها جيدا ثم سألني بلهجة جافة: - حقا تريد مقابلة أحد رجال الأمن؟ فقلت له: - نعم، وهذا مهم جدا. أعتقد أنني كنت في نظرهم مثل جرذون عربي. اتصل الحارس الأول هاتفيا بالمسؤولين وعيونه لا تفارق بطاقتي. تحدث معهم بلغة عبرية، ثم وضع الهاتف جانبا ونظر إلي ثم قال لي كلاما لم أفهم منه سوى شيء واحد. حسين علي صميدة غدا، غدا اذهب إلى مدخل القنصلية واسأل عن شخص اسمه ايزاك (اسحاق). كنت أريد أن أجادل لماذا ليس اليوم، لكنني عدلت عن فكرتي، فربما كانوا يريدون التاكد مني. ربما اعتقدوا أنني شخص غير سوي. وربما لا أعود إلى الموعد. عدت في اليوم التالي، ما زال الجو ماطرا. بعد أن مررت بإجراءات التفتيش، توجهت حسب الأوامر إلى العمارة التي طلب مني التوجه إليها داخل الحديقة. حارس آخر وجهني إلى الطابق الثاني. وفي غرفة انتظار صغيرة، وبعد انتظار قصير دخلت إلى مكتب مجهز بشكل مرتب، وكان إسحاق أو ايزاك بانتظاري. كان رجلا سمينا، أطول مني. شعره أسود، بدأ الشيب يغزوه. كان بلباسه مثل رجل أعمال، وظهر لي غاضبا، سألني مباشرة: - ماذا تريد ومن أرسلك؟ فقلت له على الفور: - لا أحد أرسلني، أنا أريد العمل معكم. فقال لي: - دعني أرى جواز سفرك؟ قدمت له الجواز، نظر إليه بتمعن، ثم سالني: - هل يعلم أبوك أنك هنا؟ فقلت له: - لا، أنا هنا باختياري. واعتقدت للوهلة الأولى أنهم استخفوا بي ربما لأنني صغير السن. فقال لي ايزاك: - انتظر هنا. بعد انتظار قصير، دخل رجل طويل القامة، أصلع، عيونه داكنة، تحدث معي بالعربية، كانت لهجته قريبة من الفلسطينية حسب خبرتي، قال لي: - اَسف لأنني لم أحضر إلى موعدك الذي حددته في رسالتك. اسمي يوسف. قلت له: - هذه غلطتي، كان اقتراحي سخيفا. فقال لي: - لالا لم يكن لدينا أحد لنرسله إلى الموعد، خاصة وأن المهلة المحددة كانت قصيرة. قلت لهم كل شيء أعرفه عن والدي، وعن عمله ونشاطه، ولماذا أريد العمل معهم. جعلني يوسف أشعر بالراحة، فقد شعرت أنني أتعامل مع رجل محترف. قدم لي نموذجا طويلا لأعبئه، كانت أسئلة النموذج كثيرة، لم يترك شاردة ولا واردة عن حياتي وأفكاري. مثلا: - كم مرة في اليوم تشرب الماء؟ - كم سيجارة تدخن يوميا؟ - هل تشرب الكحول؟ - هل تتعاطى أدوية؟ - هل تضاجع الفتيات؟ إذا كان الجواب نعم عددهن؟ - من هم أصدقاؤك؟ أعمارهم؟ أعمالهم؟ نشاطاتهم؟ وكيف تعرفت على كل منهم؟ - ألديك أصدقاء يهود؟ - كم تتوقع أن ندفع لك؟ أسئلة كثيرة استغرقت الإجابة عليها عدة ساعات، كان خلالها يوسف يساعدني كلما احتجت إلى ذلك، بعد الانتهاء من ذلك بدأ يستجوبني شفويا عن والدي، وعن طفولتي المعذبة (!!). اعترفت له عن رجل عراقي يعمل في الدعارة في السوق السوداء عبر الكمبيوتر. بعد فترة قصيرة قال لي: - أعتقد أنك الأن جائع؟ هززت رأسي، فاتصل هاتفيا وطلب لي غذاء. بعد ربع ساعة جاءت سكرتيرة بالأكل عبارة عن دجاج كنتاكي. بعد الغذاء عدنا إلى العمل. كان رجلا متفهما، ومن الصعب علي قراءة أفكاره. أجبت على كل أسئلته بأمانة. كنت مستعدا لعمل اي شيء يريده دون تردد. سألني أتريد سيجارة؟ قلت له: - لا شكرا، أنا أدخن سيجارة يوميا. وقد دخنت سيجارتي لهذا اليوم. عدل من جلسته ثم سألني: - ماذا تفعل لو رأيتني في الشارع؟ - سأقول (هلو) طبعا. قال لي: - لا لا تقل شيئا، بل تستمر في سيرك كأنك لم ترني من قبل. هل فهمت؟ فقلت له: - فاهم قلت لنفسي، هؤلاء هم الرجال الذي سيعلموني القتال لأصحح بعض الخطأ، سيساعدوني لأنتقم من أبي ومن نظام صدام حسين. وطلب مني يوسف أن أعود الأحد القادم. فانصرفت. يوم الأحد كان الجو ماطرا، والطقس لم يساعد على تقوية معنوياتي. أخذت بعض الأدوية المهدئة لأهدأ أعصابي. كنت مصمما أكثر من أي وقت مضى لأكون جاسوسا للموساد، خصوصا الآن حيث شعرت أنني قبلت لديهم. دخلت عبر البوابات السوداء. هذا اليوم ذهبت إلى مدخل السفارة، وليس القنصلية. وبعد تفتيش من الحارس اتجهت إلى الداخل. وجدت نفسي في الداخل في بهو واسع وحيدا، وحارس أخر تفقد جواز سفري، وفتش كل ما أحمله، وعندما شاهد دواء (ترانكولايزر) المهدئ للأعصاب، سألني: - ما هذا؟ قلت له: - حلويات. كذبت على الفور، ووضعت إحداها في فمي. لم أكن أرغب أن يرفض طلبي بسبب ذلك الدواء. الكذب قد لا يساعدني في الحصول على طلبي. الحارس أشار إلي إلى المكتب الذي ينتظرني به يوسف فتوجهت إلى هناك. - يوم جميل، قال لي يوسف. كان أمامه على المكتب خارطة بغداد، سألني: - أريدك أن تعرف لي بعض البنايات هناك. - بكل سرور، قلت له وأنا أنظر إلى الخارطة. - حدد لي مبنى وزارة الدفاع؟ - هنا. أشرت إلى المبنى على الخارطة. - الآن حدد لي القصور الرئاسية؟ وبناية الأمن، ومخيم الرشيدية لأسرى الحرب، والمطار الحربي؟ كانوا يسألونني أشياء كنت أعلم أنهم يعرفونها أصلا. قلت لهم: - هذه خارطة قديمة، أسود وأبيض، يبدو أنها من الخمسينات، إذا أحضرتم خارطة أحدث، سأعين لكم الأمكنة بشكل أدق. قال يوسف: - لا نريد ذلك. قلت له: - كنت أريد الدخول في سلاح الجو وأكون مثل (منير روفا) الطيار العراقي الجاسوس الذي هرب بطائرة ميخ 21 عام 1966 إلى إسرائيل. قال يوسف: - لقد خدمنا كثيرا منير، وقد عملنا كل ما نستطيع لنأمن له حياة جديدة. وسنعمل نفس الشيء معك. إذا أردت العمل معنا ثم التوقف خبرنا وسوف نساعدك على البدء بحياة جديدة. لأول مرة لا أصدقه، بكل شيء صدقته. هؤلاء الناس لا يلعبون معي. كنت أعرف أن عملي معهم كالزواج الكاثوليكي بدون طلاق. قلت ليوسف عما قرأته وأنا صغير عن الجاسوس (إيلي كوهين) الذي اخترق جبهة الأعداء الأمامية بشجاعة، وأعتقد أنني سأكون بطلا مثله. موهبتي الأساسية الناس، الحديث معهم، جرهم بالحديث، يمكنني صيدهم كما يصطاد الصياد السمك. إن كان الشخص مجرما فأنا أتقمص شخصية مجرم، وإن كان متدينا أنا أكثر قداسة من البابا. وإن كان مشرفا على الحديقة، فأنا أحب الورود. إن كان رساما فأنا درست ليوناردو. بهذه الطريقة أصل إلى عقل الشخص، وأعرف ما يفكر به. هذه الموهبة عرفوها عني، وهي نتيجة مباشرة للحياة التي عشتها. وأخيرا اتفقت مع يوسف. كانت أول مهمة كلفني بها التقرب من أصدقائي العاملين في الجيش، ومحاولة تجنيد أحدهم للموساد. لم يخضغوني للتدريب، ولم يعطوني أية إرشادات. أعتقد أنهم كانوا يريدون العمل بطريقتي قبل أن يعلموني أيا من حيلهم المخابراتية. سلمت على يوسف، ايذانا بإعلان الاتفاق، وسرت في شوارع لندن مزهوا أنني أعمل لصالح الموساد. - يا إلهي، الموساد! أنا عراقي أعمل لصالح الصهيونية، ها يا أبي فك يو، أنت يا صدام. بعد كل هذه السنوات، أنا الأن تحت الوصاية» إلى هنا أكتفي بالترجمة المباشرة لكم. بعد ذلك يبدأ الجاسوس الحقير حسين صميدة يشرح كيف بدأ يتجسس على المسؤولين العراقيين، شاعرا بفخر أنه يقوم بعمل وطني. وكان سعيدا أنهم سيدفعون له شهريا 250 دولار إضافة للمصاريف (مصاريف التنقلات والاتصالات) أكثر ما كان يعجبه أنهم لم يكونوا يطالبونه بتقرير تفصيلي عن مصاريفه كما يفعل المسؤولون العراقيون الذين كانوا يحاسبون الطلاب عن كل صغيرة وكبيرة. كان الجاسوس حسين صميدة يقدم المعلومات عن أفراد السفارة العراقية بلندن بالمجان، وينفذ الأوامر حسب إرشادات يوسف. وقد عرفه يوسف على (موريس) الذي أصبح مسؤوله المباشر. وبعد أن خيروه أن يختار اسما حركيا قال لهم إنه يختار اسم أسد سيفي. فردوا عليه: - أهلا بك بالموساد أسد سيفي. بدأت علاقته مباشرة مع موريس الذي كان يفهم العربية، ولكنه لا يتحدثها بطلاقة. قال له موريس أن يتوقف عن التجسس على منظمة الدعوة الإسلامية لأن هدفهم المؤسسة العسكرية العراقية، وفلسطيني زميل له اسمه هيثم من حركة فتح. وقد قام بهمته بنجاح ونقل له كل ما طلبه منه عن هيثم. بعد التقرير الذي قدمه الجاسوس حسين عن هيثم، طالبه مورس التوقف عن متابعة هيثم والانتقال إلى بلجيكا للالتحاق بوالده خلال العطلة الصيفية. كانت المهمة الثانية التي أوكلوه بها التجسس على والده ففي بلجيكا كان تحت إشراف المدعو (دانييل) الذي كلفه بمايلي ص89: «نريد أكبر قدر من المعلومات عن السفارة العراقية أسماء كل الطاقم، عناوينهم، عائلاتهم، حالتهم الاجتماعية، رواتبهم، مسؤول المخابرات فيهم، مسؤولي الأمن، مسؤول الاتصالات، الطريقة المستخدمة في الاتصالات. نريد معرفة الشيفرة المستخدمة، ومن لديه إلمام بها، نريد معرفة كل شيء عن مكتب والدك، ما هو شكله، ما هي إمكانية زرع أجهزة تنصت بمكتبه وأين؟ حاول أن تتذكر أشكال السيارات. وأرقامها، ومن يسوق كلا منها. نريد كل ما يمكن جمعه عن عامل الاتصال التلفوني بالسفارة….» وقد قام الجاسوس حسين بمهمته على أكمل وجه وقدم كل هذه المعلومات بعد ما حصل عليها باعتباره ابن السفير إلى الموساد من خلال دانييل. وقد سلمه إضافة لذلك صورا لبعض الوثائق الهامة. المهمة الوحيدة التي لم يستطيع أو خاف من تنفيذها هي تفتيش مكتب أبيه. لقد شكره (دانييل) فقد قدم له معلومات عن دولة كان صعبا عليهم اختراق سفاراتها. المهمة الثالثة التي كلفه فيها دانييل التجسس على مكتب منظمة التحرير في بلجيكا من خلال زملائهم من العراقيين في السفارة العراقية. وقد قدم كل المعلومات التي استطاع الحصول عليها. أول مهمة كلفوه بها في خريف عام 1984 بعد عودته إلى لندن كانت التجسس على طالب سوري يدرس في كلية إمبريال (الفيزياء النووية) وقد عدوا ذلك من الأولويات في عملهم. إن هذا يؤكد دائما كيف تلاحق المخابرات الإسرائيلية العلماء العرب الذين يمكن أن يخدموا في الأماكن الاستراتيجية وقد وعدوه إن نجح بمهمته أن يتم ترقيته!! ترقيته من جاسوس إلى جاسوس بامتياز!! لم يذكر الجاسوس اسم ذلك الطالب لكنه أشار أنه من حلب، وأعطاه اسما حركيا رفعت. وقد تقرب منه حسين صميدة واستطاع الحصول منه على معلومات، عن سبب دراسته ومن أرسله وما الهدف من دراسته. وقدم كل تلك المعلومات إلى الموساد بأن سوريا تحضر للوصول إلى القنبلة النووية. لقد استطاع حسن صميدة بالتعاون مع موريس الذي نصب له الخطة أن يوهم رفعت أن شخصا من جهة السفير والده سيأتي إلى لندن ليجتمع معهم باعتبار الصديق (موريس) رجل أعمال ألماني يبحث عن وكيل في سوريا. وبعد أن انطلت على رفعت الحيلة، وبدأ موريس يعمل معه دفع موريس 200 جنيه استرليني للجاسوس حسين صميدة.قبضها مسرورا. بعد فترة اتصلوا به بشكل مفاجئ وسألوه: - هل تعلم عن برنامج تدريب الطيارين الذي تقوم به حكومتكم شمال انجلترا؟ - لالا أعرف. • إنه في المنظقة الجنوبية لحدود سكوتلندا خارج بلدة كارلسلي. وحسب معلوماتنا فهي لاستخدام الطائرات العمودية الخاصة بالسفن. مسؤول المجمع ميجر عراقي، نريد كل شيء عنه. بعد تقديم المعلومات اللازمه فجأة حولوه ليتجسس على رجل سوري اسمه كمال خطيب المهندس الأساسي الذي هندس المخابئ السرية تحت الأرض للطائرات الحربية. كان في بريطانيا يحضر لشهادة الدكتوراة في الهندسة المدنية الإنشائية في مدينه (Loughborough) لكنه فشل في لقائه الأول معه وأثار شكوك كمال الخطيب فاعتذر له وانسحب وعندما أبلغ الموساد لم يطلبوا منه استمرار المحاولة بل أبلغوه أن يطلب من أبيه العمل داخل السفارة العراقية في لندن. كان أبوه على ما يبدو رجلا ذا حس أمني. فعندما طلب منه ابنه العمل في السفارة استغرب سؤاله، وسأله: لماذا تريد العمل في السفارة، وأنت لا تحب البعث؟ فقال له لأنه يريد أن يحصل على دخل أعلى. لم تنطل على أبيه الحيلة، فاشتبه به، وقام بتفيش كل أوراقه، وملابسه، واستدعى إليه مسؤولا أمنيا رفيعا من بغداد. كان يعتقد أنه يتعامل مع إيران ضد العراق. خاف حسين صميدة، ولأنه جاسوس جبان، قبل أن يلتقي بالمسؤول الأمني في السفارة العراقية، توجه فورا إلى السفارة العراقية في بلجيكا واعترف لمسؤول الأمن هناك سلمان بأنه تعامل مع الموساد، لكنه فبرك حكاية ملفقة بأنه كان لا يعرف أنهم من الموساد الإسرائيلي وأنه قدم لهم معلومات بسيطة مقابل الفلوس، وقال للمسؤول الأمني أنه قد تعرف على الموساد عن طريق صديقاته البريطانيات. صعق سلمان لاعترافه. لم يتوقع أن يكون ابن السفير جاسوسا لإسرائيل. وعندما طلب منه التفصيل، اضطر خوفا الاعتراف بكل المهمات التي نفذها من عضو حركة فتح وانتهاء بالخطيب بما فيها أسماء موريس، ودانييل عضوا الموساد اللذين لا يعرف أسماءهما الصحيحة. فحولوه إلى بغداد للالتقاء بمسؤولي المخابرات الأمنية. لم يعرف أبوه باعترافه وبتجسسه لصالح الموساد فالمسؤول الأمني سلمان أخفى عن السفير حقيقة إرسال ابنه حسين إلى العراق. في العراق تم التحقيق معه مرة أخرى وقدم نفس الاعترافات السابقة، اعتقد أنهم سيعدمونه لكنهم كلفوه بعد ذلك بالسفر إلى بريطانيا ليعمل هناك كجاسوس مزدوجة فخاف من اكتشافه من قبل الموساد، فافتعل حكاية تؤدي إلى سجنه من قبل الشرطة البريطانية ليدعي أنه لا يصلح لتلك المهمة في بريطانيا، وسافر إلى حيث والده في الولايات المتحدة، ليفاجأ أن والده يعرف تفاصيل تجسسه، فيسأله لماذا عدت من بريطانيا ولم تلتزم بالأوامر؟ يشتمه ويطلب منه العودة إلى العراق حسب التوجيهات الجديدة للعمل في بغداد. في العراق يعلمونه أن والده رفع يده عنه، ووافق على عقابه بما يستحق الجاسوس الخائن، الإعدام، لكن الرئيس العراقي صدام حسين يعفو عنه ويحوله إلى المخابرات التي تعمل على تجنيدة لصالحها. يصف حسن صميدة ما عرفه عن جهاز المخابرات، ومراكز القوى داخله، وتجارة التهريب المنتشرة بأجهزة الأمن حسبما يدعيها، ويكشف عن حجم الفساد المستشري بين أفراد المخابرات، وينزلق معهم في ذلك. خلال تلك الفترة يتعرف على (بان) الفتاة العراقية المسيحية التي كانت تزوره في بيت جدته وهناك يقضي معها أيامه الحلوة. يعترف لها بكل سفالته ورغم ذلك تختار أن تظل معه إذ يبدو أنها تافهة مثله. خضع حسين صميدة لدورة تدريب على استخدام السلاح ثم تكليفه بالتجسس على طالب سوري يدرس في العراق عمل مع البعث العراقي لإرساله إلى سوريا للتجسس على سوريا. - يشرح عن الأساليب التي تتبعها المخابرات العراقية في المراقبة والتجسس واستخدام كافه الوسائل للوصول إلى المعلومات ويشرح عن طبيعة الانحلال الذي كان سائدا في صفوف المخابرات العراقية حسب وصفه، وهو نفس ما هو متبع بشكل أو بأخر في كل أجهزة المخابرات في كل مكان. •- يشرح لنا بسخرية عن اهتمام حزب البعث بالاحتفال بأحد القادة التاريخيين في العراق (نبوخذ نصر) ويسخر منه حيث يعده قاتلا في حركه منه لكسب رضى اليهود لأنه قتلهم وقادهم أسرى. - لم يتحدث ولا جملة واحدة في كتابه (ولا غرابه فهو جاسوس) عن الممارسات الصهيونية لا في فلسطين ولا في جنوب لبنان، ولا عن المجازر التي ارتكبتها. كان خلال وجوده في العراق (مع المخابرات مستفيدا من وجوده مع النظام ويمارس انحلاله. - يبدأ محاولات هروبه، فيستفيد من نفوذ أبيه ويسافر إلى اليمن رغم أنه لا يريد اليمن وهناك يطلب من السفارة الأمريكية اللجوء السياسي بعد أن يشرح لهم قصته واستعداده لإمدادهم بما يعرفه من معلومات ما عدا العودة إلى العراق. لكنهم يعتذرون عن مساعدته، ولا يقطعون معه الحبل ويقترحون عليه كندا. في حركة بهلوانية يحصل على فيزا ويسافر إلى كندا وهناك يتصل بالأمريكيين عارضا عليهم خدماته لكنهم يعتذرون بعد أن رفض العودة إلى العراق. يحاول في كتابه أن يلومهم على رفضهم لأنه جاء يحمل لهم معلومات حسب ادعائه تؤكد أن صدام حسين ما زال يحاول بناء ترسانته النووية. باختصار جاء مستعدا أن يبيع كل العراق لعيون الكرت الأخضر. لكنهم يعتذرون فيضطر إلى تقديم اللجوء السياسي إلى كندا. وحينما تبدأ الحرب العراقية الكويتية ويحتل صدام الكويت، لم ييأس الجاسوس حسين وعاد يتصل بالسي أي إي عارضا عليهم خدماته من جديد فدمه قد تشبع بالخيانة ويريد أن يثبت لهم حسن نواياه. في كندا جاءه اتصال من شخص ادعى أنه صديق أبو فراس ويطلب منه العودة إلى العراق. مات خوفا فباع ما لديه من ذهب وهرب إلى لندن حيث (بان) هناك تنتظر التحاقها به. هناك يطلب اللجوء السياسي في المطار، وبعد استجوابه يكرر لهم تاريخه في التجسس والخيانة لعل ذلك يشفع له عندهم. سجنوه ليلة وأعادوا معه التحقيق في اليوم التالي، بذل جهودا جبارة في إقناعهم أنه يقف إلى صفهم ضد صدام وضد العراق. أحضروا له زوجته بان وحققوا معها، والتقت معه في زنزانته في بريطانيا بعد ذلك منحوة فيزا مؤقتة لحين قرار القاضي لكنهم بعد فترة أعادوه إلى كندا لأن له طلبا هناك. بكى (الحزين) لأنهم رفضوا طلبه ورفضوا أن يسمحوا لزوجته بمرافقته كما بكت هي الأخرى (مساكين!!) كأنهم يجب أن يكافئوه على خيانته ودناءته. لعله لا يعلم أن الجواسيس محتقرون حتى من الجانب الذي يتجسسون لحسابه. وفي كندا قدم للمخابرات الكندية ما لديه من معلومات وكشف لهم مجانا دون أن يسألوه أن الموظفة السورية المسيحية التي تعمل في سفارة كندا في بغداد تقدم للمخابرات العراقية تقريرا عن نشاطات السفارة (حتى الموظفين العاديين لم يسلموا منه.) . لقد كان حتى آخر لحظة يحاول أن يظل خائنا لبلده لقد تشرب الخيانة ورضعها مع حليب أمه. وعندما بدأت الحرب عام 1991 على العراق كان مسرورا كان يشعر بالسعادة، كأن الحرب أشفت غليله. يقول في ص280 إنه كان يشاهد القصف على بغداد بفرح، وتأييد. في ص 281 يحاول أن يشعر القارئ بذنبه عندما يقول (أنا هو أنا لا أستطيع أن ألوم والدي فقط وتعامله الفظ معي. ربما كنت سأكون شخصا أخر لو كان والدي عاديا). يشرح في كتابه ويصف بعض القادة الفلسطينين بأنهم مخربون تجاوبا مع الإعلام الغربي لعل ذلك يساعده في لجوئه السياسي. ثم يبدأ بالتحريض على حزب الدعوة الإسلامي العراقي واصفا إياهم بأنهم أخطر من صدام على الغرب وعلى إسرائيل. ومطالبا الولايات المتحدة أن لا تنخدع بهم، مع أنه كرر لنا أكثر من مرة في الكتاب أنه فعل ما فعل لينتقم من والده فلماذا كل هذا الحقد ضد من كانوا أصلا ضد والده؟ في ص 296 ما قبل الصفحة الأخيرة يقول بأنه تربى على الكذب والغش والخداع التي كانت جزءا من المجتمع العراقي، والتي سببها الدين كما يدعي من خلال التقية التي دعا إليها الإمام على بن أبي طالب فهو يقول بأن لعلي دروسا كثيرة في حث الناس على الكذب لحماية المؤمنين من الخطر. ويصف حسين صميدة التقيه بأنها شكلت مظلة لكل الأشياء سواء المقدسة أو غيرها. في ختام كتابه يتكلم الجاسوس عن الحب وأنه سيقطع علاقته بالماضي، ويخلف أولادا ويعلمهم الحب ويحبهم وأنه اقتنع أخيرا(!!!) أن الانتقام من والده لم يخلف سوى العنف. يحاول حسين صميدة أن يلقي باللوم في كل شيء على والده وماذا عن والدته؟ إن كان يحبها فلماذا لم يحب العراق من أجلها؟ لماذا تجسس على السوريين والفلسطينين لصالح الموساد؟ إن كان ضد نظام صدام، لماذا لم يعمل مع المعارضة العراقية ضد نظام صدام بشرف وإباء فقط كان استحق إعجاب الناس؟ أم أنه كان جبانا والخيانة في دمه؟! ترى ماذا يقول لأولاده الآن عندما يقرؤون كتابه؟ كيف سيكون شعورهم عندما يعرفون أن أباهم خائن لبلده، وشعبه، جاسوس تافه باع العراق لكل مخابرات العالم وإسرائيل لإرضاء ملذاته وأحقاده