الدكتور محمد بزبز الحياري .. يكتب .. بريسترويكا ادارية اردنية .. البريد مثالا

البلقاء اليوم - الدكتور محمد بزبز الحياري ....يكتب .... بريسترويكا ادارية اردنية...البريد مثالا

#البلقاء #اليوم #السلط

عندما غنى محمد عبده " لا تردين الرسايل ويش اسوي بالورق" قلنا ان كتابة الرسائل عفا عليها الزمن في ظل ثورة الاتصالات وتضاؤل تكلفة ارسال الرسائل حتى وصلت للصفر مع عدم الحاجة للورق للبريد اصلا ، حتى ونحن بطريقنا لزيارة البريد الاردني لم يَدُر بخلدي سوى التعرف على جسم حكومي زائد ، ومثال حي على ترهل اداري متبقي من حقبة ما قبل ثورة الاتصالات، ومتسلحا بحجج وبراهين تؤهلنا للطلب وبقوة لالغاء هذه المؤسسة في سبيل ترشيق اجهزة ومؤسسات الحكومة غير الفعالة وضبط النفقات غير اللازمة، وأعتقد جازما ان هذا ما يدور بأذهان الكثير، حتى ان بعض زملائي بملتقى النخبة اعتذر عن الزيارة لانها مضيعة للوقت والجهد، كون المفهوم المختزل حول البريد لا يتعدى الرسائل الورقية والتبليغات لا أكثر.

لكن ما وجدنا ولمسنا على أرض الواقع شيء مختلف تماما،فقد ذهلنا واندهشنا ولا ابالغ انه بلغ درجة الصدمة ، للخدمات التي يقدمها البريد بمستوى جودة عالية جدا، ولا يعرف عنها المواطن سوى النذر اليسير، وهذه الفجوة مابين الحقيقة الماثلة على الارض والفكرة الراسخة بالاذهان حول البريد الاردني، اشترك بتشكيلها طرفي المعادلة ، المواطن والمؤسسة ذاتها على حد سواء ، فالمواطن لم يكلف نفسه عناء البحث عن الجهة المثلى والاوفر لاكمال حاجاته البريدية( وهي متعددة وكثيرة ولا تقتصر على ارسال الرسائل وسنسردها كملحق للمقال)، والمؤسسة ايضا لديها تقصير اعلامي حول ايصال رسالتها وخدماتها لتطرق آذان وإدراك المواطن ويعرفها كما هي، وتركته صيدا سهلا لمؤسسات ٱخرى من داخل الحدود وخارجها، تمارس هذا الدور وتأخذ من حصته السوقية الطبيعية الشيء الكثير وهو الاولى بها.

كان احد الفصول الحاسمة في قصة البريد الاردني بعدما بلغ مبلغ متقدما من الترهل والمديونية ، اقتراحا برز بقوة كحل جذري لهذا الوضع المتفاقم والذي كان عبئا وهاجسا للحكومة، هو خصخصت البريد وذلك عن طريق بيعه لجهة ما ، كما تم قبل ذلك للعديد من مؤسسات الدولة الكبرى بأبخس الاثمان والذي ثبت بعد ردح قصير من الزمن، ان هذا التوجه قد اودى بالكثير من المؤسسات الوطنية لجهات ٱخرى احسنوا استغلالها ايما استغلال وأطلقوا الارباح الهائلة التي كانت تكمن في ثنايا هذه المؤسسات، وماكان ينقصها سابقا سوى الادارة المبدعة الخلاقة، وبُليَت بأدارات همها النفعية الذاتية والتسيير الروتيني للعمل لا اكثر ، وغفلت عن الامكانات الهائلة المستترة لتلك المؤسسات، وقد كان ما كان، وقصص خصخصة هذه المؤسسات والتحسر عليها بعد فوات الاوان معروفة للجميع، الطريف لابل المحزن، ان السعر الذي كان مقترحا لبيع هذه المؤسسة( البريد) كان اقل بكثير من موجوداتها واصولها.

لكن... قيض الله لهذه المؤسسة ذات لحظة حظ وحسن اختيار ، قيادة وطنية واعية، وفوق ذلك، انها قيادة صبورة ومثابرة كان همها الاول تحديد الهدف والعمل باقصى طاقة نحوه ، الا وهو :انقاذ ما يمكن انقاذه من المؤسسة قبل ان تقع الفأس بالرأس ويتخذ القرار القطعي للبيع والخصخصة، وذلك عبر طلب مهلة ستة شهور لمحاولة التصويب واعادة القطار لسكته قدر الامكان، ثم ستة أخرى لتثبيته على هذه السكه والبدء بالمسير للأمام... وقد كان.

وفي التفاصيل، فقد اطلعنا وبالادلة على قصص فساد واستباحة واستهتار بالمال العام يندى لها الجبين، وتتعجب ان تلك القصص كانت تحدث على مرآى ومسمع ومشاركة ممن كلفوا بأمانة المسؤولية ، لكن وبعد طوي صفحة هذا الفصل وبزمن قياسي لا يتعدى السنتين وبضعة شهور، تم تصويب الاوضاع وضبط الترهل والفساد شيئا فشيئا،ثم تقليصه حد التلاشي، وسداد الديون لابل وتحقيق أرباح مجزية ترفد الخزينة، رافقه انطلاقة واسعة وحثيثة لمواكبة التغيير والتقدم التكنولوجي المتسارع بهذا المجال وسبر لفضاءآت أرحب وغير مسبوقة من تنوع خدمات كما ونوعا، تُوِج ذلك بالحصول على تصنيفات عالمية متقدمة كالأمن البريدي الذي حل ثانيا بالتصنيف بعد كندا، والقفز المبدئي من المرتبة ٧٤ الى المرتبة ٥٨ على المراكز البريدية العالمية ، حتى ان المدير العام للبريد حصلت مؤخرا على المرأة البريدية الاولى على مستوى العالم.

وفي الختام نرجو ان تكون قصة نجاح وبريسترويكا البريد الاردني تقود للمزيد، وان لايكون ما تحقق هو السطر الاخير من القصة، فالنجاح لا ينتهي ، ونتمنى ان تكون القصة مثالا يحتذى لباقي المؤسسات، وتحديدا المؤسسات التي لم تخصخص بعد.

بريسترويكا: مصطلح باللغة الروسية يعني اعادة البناء