الدكتور محمد عبد الحميد الرمامنة .. التحفيز الخفيف: أداة سحرية لتوجيه القرارات نحو الأفضل

البلقاء اليوم - #الدكتور #محمد #عبد #الحميد #الرمامنة .... التحفيز الخفيف: أداة سحرية لتوجيه القرارات نحو الأفضل

#البلقاء #اليوم #السلط



"إن االفرد لا يتخذ دائمًا قراراته استنادًا إلى العقلانية الخالصة، بل تتداخل فيها العواطف، والرغبات، والبيئة المحيطة به" ،هذه هي الفكرة الأساسية التي أطلقها ريتشارد ثالر، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، والذي يعتبر واحدًا من أشهر رواد الاقتصاد السلوكي. وقد أدخل ثالر إلى عالم الاقتصاد مفهومًا غير تقليدي، ألا وهو "النودج" أو التحفيز الخفيف، وهو يعبر عن تغييرات بسيطة في البيئة أو طريقة تقديم الخيارات يمكن أن تُحفز الناس على اتخاذ قرارات أفضل دون أن يشعروا بذلك.
التحفيز الخفيف هو الأسلوب الذي يسعى إلى توجيه الأفراد إلى اتخاذ قرارات أكثر نفعًا لهم وللبيئة، ولكن دون فرض خيارات أو قيود قسرية، إنه ليس تغييرًا جذريًا في سلوك الإنسان، بل يعتمد على إدخال تعديلات بسيطة في طريقة عرض الخيارات أمامه، مما يجعله يختار الأنسب والأفضل له دون أن يدرك ذلك في كثير من الأحيان.
إن الابتكار الذي قدمه ريتشارد ثالر من خلال مفهوم "النودج" قام على دراسة سلوك الأفراد وفهم كيفية تأثير العوامل النفسية والمعرفية في اختياراتهم. وبدلاً من استخدام الأساليب التقليدية التي تعتمد على الإقناع المباشر أو القوانين القسرية، يقوم التحفيز الخفيف "النودج" على تغيير الظروف المحيطة بطريقة تجعل الخيارات الأفضل أكثر جذبًا دون أن يلاحظ الأفراد هذا التوجيه.
في الجانب الصحي، ظهر التحفيز الخفيف في صور متعددة، في العديد من البلدان، تم تصميم قوائم الطعام في المطاعم لتعرض الأطعمة الصحية أولًا، أو تم وضع ملصقات تحفز الزبائن على اختيار الأطعمة قليلة الدسم.،هذه التعديلات البسيطة في تقديم الخيارات ساعدت الناس على اختيار الخيارات الصحية بشكل أكثر وعيًا.
في مايتعلق في مجال المال، يُستخدم التحفيز الخفيف لتشجيع الأفراد على الادخار بشكل أفضل، في بعض البلدان، يتم اشتراك الموظفين تلقائيًا في خطط الادخار التقاعدي، لكنهم يمتلكون خيار إلغاء الاشتراك إذا أرادوا. هذه الطريقة البسيطة أسهمت في رفع معدلات الادخار بشكل كبير، لأنها جعلت الادخار الخيار الافتراضي دون الحاجة للضغط على الأفراد.
ولتحفيزالأفراد على حماية البيئة، يتم استخدام التحفيز الخفيف في الفنادق من خلال وضع إشعارات تخبر النزلاء أن معظمهم يفضلون إعادة استخدام المناشف لتقليل استهلاك الماء والطاقة، هذا التوجيه غير القسري يخلق تأثيرًا اجتماعيًا يُحفّز الأفراد على اتباع سلوك إيجابي للحفاظ على الموارد.

يتميز التحفيز الخفيف بإمكانات غير محدودة لتحسين قراراتنا اليومية، يمكن تطبيقه في أماكن عديدة مثل المؤسسات التعليمية لتحفيز الطلاب على المشاركة في الأنشطة المدرسية، أو في بيئة العمل لتحفيز الموظفين على تحسين إنتاجيتهم من خلال اختيارات أكثر صحة وراحة.

التحفيز الخفيف، أو "النودج"، هو طريقة أو أسلوب بسيط ولكنه قوي في تحسين اتخاذ القرارات، من خلال تعديلات بسيطة على الطريقة التي يتم بها تقديم الخيارات، يمكننا توجيه الناس نحو اتخاذ خيارات أكثر فائدة لهم وللبيئة من دون فرض قيود عليهم. كما أن هذا النهج يجعل من التحفيز الخفيف أداة فعّالة تساعدنا في تغيير سلوكياتنا اليومية وتحقيق التوازن بين رغباتنا واحتياجات كوكبنا. إن ريتشارد ثالر قد قدّم لنا أداة رائعة لفهم سلوك الإنسان، وتحفيزه على اتخاذ قرارات أفضل دون أن يشعر بذلك، ليكون النودج وسيلة قوية لتحسين حياتنا وحياة من حولنا.
د. محمد عبد الحميد الرمامنة

---