الأحد ,8 سبتمبر, 2024 م
الرئيسية أخبار متنوعة المشهد الأمني في الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر

المشهد الأمني في الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر

421

البلقاء اليوم - #البلقاء #اليوم #السلط #مراد #بطل #الشيشاني ( معهد السياسة والمجتمع)

فاجأ الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الكثيرين عندما اقتحم مسلحون فلسطينيون من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، الحواجز الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة. غير أن أثر هذا الهجوم تجاوز زعزعة الأمن الإسرائيلي؛ إلى إعادة تشكيل المعادلة الأمنية في المنطقة برمتها، وكان للهجوم تأثير كبير على المشهد الأمني، مما جعل الجماعات المسلحة القريبة من إيران أكثر شعبية، هذه الجماعات التي إما أن تكون ممولة أو تخضع للنفوذ الإيراني أو متحالفة معها، حيث وسعت من نطاق التجنيد في صفوفها وشعبيتها، لا سيما في المناطق الخارجة عن نفوذها التقليدي مثل: الضفة الغربية أو الأردن.

وهذا بدوره أثار رد فعل من الجماعات الجهادية السنية المعادية لها تاريخيًا. وحيث يعيد الهجوم الذي عُرف بـ “السابع من أكتوبر” تشكيل الأمن الإقليمي، فهو يشدد على التداخل بين الدول ولاعبين ما دون الدولة أو ما يطلق عليها بـ “اللا دولة”. وغالبًا ما تتسبب سياسات الدولة في ردود فعل وسلوكيات من اللا دولة، بما في ذلك الجماعات الجهادية التي فقدت قدرتها على التجنيد في المنطقة في السنوات الأخيرة. وبذلك؛ تستكشف هذه المقالة التغيرات في المشهد الأمني في المنطقة بعد هذا الهجوم، وتقييم آثاره المتوقعة، ودراسة الديناميات الجديدة التي أحدثها.

السياسة الأمريكية وأمن الشرق الأوسط
قبل السابع من أكتوبر، صاغ الرئيس جو بايدن، مثل أسلافه، عقيدته الخاصة، والمعروفة باسم “مبدأ بايدن”. حدد هذا المذهب مبادئه الخمسة الرئيسية للشرق الأوسط: الشراكة والردع والدبلوماسية والتكامل والقيم.[1] وكانت هذه المبادئ بمثابة مبادئ توجيهية عامة للرد الأمريكي على ذلك الهجوم، مما عزز من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. ويمكن فهم موقف الولايات المتحدة على مستويين؛ أولًا، أعربت واشنطن عن حرصها على توقيع اتفاق سعودي – إسرائيلي، يركز على الدبلوماسية والشراكة، التي ينبغي أن تشمل الدولة الفلسطينية المستقبلية على جدول الأعمال.


غير أن هجوم السابع من أكتوبر غير الأولويات، ووضع المطالب الفلسطينية مرة أخرى في صدارة تلك الأولويات في المنطقة. وقد أكد ذلك أحد قادة حركة حماس، الذي قال إن الهجوم يهدف إلى إحياء الاهتمام بالقضية الفلسطينية.[2] ثانيًا، أعلنت الولايات المتحدة أنها “تقف إلى جانب إسرائيل وأمنها دون قيد أو شرط” ودعمت العملية الإسرائيلية في غزة للقضاء على حماس.

وتعتقد الولايات المتحدة أن هذا سيُمهد الطريق لحل الدولتين ويسهل المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.[3] كما ربطت إدارة بايدن حرب غزة بقضايا أمنية مهمة أخرى، بما في ذلك الحرب الروسية في أوكرانيا، والمنافسة مع الصين، وبناء العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والعلاقات المضطربة مع إيران. حيث ينتج عن تعقيد حرب غزة زيادة تعقيد المفاوضات مع إيران. وقد أدى ارتفاع التكلفة البشرية في غزة إلى إدانة واسعة، حيث أثار عِناد نتنياهو انتقادات دولية.

وشملت هذه الانتقادات الولايات المتحدة والحزب الديمقراطي الحاكم[4]، بل حتى أدت لدعوة في محكمة العدل الدولية لمعالجة القضية الفلسطينية. ونتيجة لذلك، تبنت السياسة الأمريكية “مبدأ بايدن”، الذي ينص على أن الأمريكيين، من خلال التركيز على القوة الناعمة، لن يردوا إلا إذا تم استهدافهم مباشرة. ويهدف هذا النهج إلى منع الصراع من التوسع إقليميًّا أو دوليًّا.

بالإضافة لذلك، تسعى واشنطن إلى الحد من الأنشطة الإيرانية، في الوقت الذي تزيد طهران من اعتمادها على حلفائها ووكلائها، مثل حماس في غزة، وحزب الله في جنوب لبنان، والحوثيين في اليمن والبحر الأحمر، والفصائل الشيعية العراقية. وتشن هذه الجماعات هجمات بأشكال ومواقع مختلفة، لكن أهميتها ارتفعت بالنسبة لإيران، بهدف ممارسة الضغط على الولايات المتحدة.

وكلاء إيران
خلال مقابلة أُجريت في غزة عام 2017، كشف أحد قادة حماس المؤثرين للباحث: “إذا كان لدينا [في حماس] خيار وجود دولة واحدة بجانبنا، فإننا نختار إيران”. إلا أن العلاقات بين حماس وإيران (خاصة فيما يتعلق بدعم الثورة في سوريا)، تسببت في خلافات داخلية داخل الحركة، وقد دفع هذا الخلاف تيار الصقور داخل حماس، وعلى رأسهم يحيى السنوار، رئيس الحركة في قطاع غزة، إلى تعميق علاقة الحركة مع الجانب الإيراني، وخاصة من خلال الجناح العسكري للحركة، كتائب القسام. حيث استفادت الكتائب من مساعدة إيران في إنتاج الصواريخ وتكتيكاتها.

ومع ذلك، فمنذ السابع من اكتوبر، لم تخطط إيران، خوفًا من توسيع الصراع، لرفع مستوى علاقاتها مع حماس، ولا حتى لمستوى علاقاتها مع حزب الله. وهو ما يتماشى مع رغبة حماس في الحفاظ على هويتها الفلسطينية.

تنظر إيران إلى حدث السابع من أكتوبر بنفس الطريقة التي بررت فيها تدخلها في سوريا لدعم نظام بشار الأسد قبل عقد من الزمان؛ فوفقًا لوزير الخارجية الإيراني “السابق” عبد الأمير عبد اللهيان، يقول: “نحن ندافع عن مدننا من خلال الدفاع عن غزة”،[5] مرددًا تصريح آية الله خامنئي: “إذا لم نوقف أعداءنا [في سوريا]، فإنهم سوف يقاتلونا في كرمنشاه وهمدان”. ويشار إلى هذا المنظور بسياسة “الدفاع المتقدم”، حيث تنخرط إيران في حرب خارج حدودها بسبب الضغط الداخلي[6].

مرةً أخرى، يعتبر الاعتماد على الفصائل المسلحة الخيار الأكثر فعالية لإيران لممارسة نفوذها، وبعد السابع من أكتوبر أصبحت سياسة “الدفاع المتقدم” الإيرانية أكثر واقعية.

وقد زاد هذا من أهمية الحركات الإسلامية المحلية والوطنية المقاتلة في إيران. كما شهدت الحرب على غزة الأخيرة اعتبار تكتيكات القسام فعالة، مما أدى إلى زيادة الإعجاب بالحركة. من ناحية أخرى، يواصل حزب الله الانخراط في اشتباكات ضد إسرائيل، وإن كان مع بعض الخلاف حول فعاليتها. علاوة على ذلك، يقوم الحوثيون بتعطيل التجارة الدولية في البحر الأحمر، مستهدفين على وجه التحديد التجارة البحرية العالمية لصالح “شعب غزة”.

وقد شنت الفصائل العراقية هجمات، حتى أنها أسفرت عن مقتل عدد من الجنود الأميركيين في الأردن. وتستفيد إيران من شعبية هذه الجماعات لممارسة مزيد الضغط على الولايات المتحدة،[7] والتي بدورها تثير ردود فعل سلبية من تراجع الجماعات الجهادية في البلدان العربية.

الوضع الأمني في الضفة الغربية
تعيش الضفة الغربية حاليًّا في أجواء أشبه بالحرب، فمع أعمال عنف يومية مثل السجن والاعتقال وهدم المنازل وصعوبات العبور والقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، والتي أسفرت عن عنف غير متكافئ من جانب الإسرائيليين على الفلسطينيين، مما زاد من تعقيد قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على حكم الأراضي، والتعاون في مجال الأمن مع إسرائيل.

أعمال العنف في الضفة الغربية متفرقة لكنها مستمرة منذ السابع من أكتوبر، حيث إن التغيرات في أوساط الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وتزايد شعبية حماس، وتحديدًا كتائب القسام، في المنطقة، تعطي إطارًا لفهم التغير في الأمن في الضفة الغربية.

شهدت حالة الشباب في الضفة الغربية تغيرات كبيرة منذ الانقسام العنيف بين حركتي فتح وحماس في 2006-2007. ونتيجة لذلك، يفتقر الشباب إلى إطار سياسي، لا سيما في الضفة الغربية حيث تلعب حركة فتح دورًا ليس فقط كحركة سياسية؛ ولكن أيضًا كإطار اجتماعي اقتصادي متشابك مع المجتمع الفلسطيني، وهذا مشابه لدور القسام في قطاع غزة اليوم. إن البحث عن مظلة سياسية جعل إنهاء الانقسام بين فتح وحماس مطلبًا رئيسيًا للحركة الشبابية في الضفة الغربية.

أما مصطلح “الحراك” (الذي يعني حركة اجتماعية سياسية) فقد دخل الخطاب الفلسطيني بعد الربيع العربي، حيث أصبحت قرى مثل النبي صالح ونعلين وبلعين مراكز للاحتجاجات السلمية والأنشطة الثقافية، على غرار تلك التي شوهدت في الشوارع العربية خلال الربيع العربي. ومع ذلك، فإن محاولة تكرار نموذج الربيع العربي في السياق الفلسطيني لم تسفر عن نتائج ملموسة بسبب تنوع القضايا الملحة في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.[8]

ومنذ عام 2015، كان هناك تحول جديد في أوساط الشباب الفلسطيني، الذين نفذوا هجمات فردية باستخدام تكتيكات مثل طعن الجنود الإسرائيليين أو عمليات الدهس بالسيارات. وقد أدى ذلك إلى زيادة التوتر في الضفة الغربية، مما دفع البعض للإشارة إلى هذه الفترة باسم: “الانتفاضة الثالثة”.

خلال هذا الوقت، التقيت العديد من الشباب الذين لديهم أقارب أو أصدقاء متورطون في مثل هذه الهجمات. وأنكروا أي انتماءات سياسية مع حماس أو فتح وكانوا ينتقدون بشكل عام الفصائل السياسية.[9] وفي وقت لاحق، بدأ الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية في تشكيل جماعاتهم المسلحة الخاصة، مثل “لواء جنين” و”عرين الأسود” في نابلس، وعلى الرغم من أن الأولى مرتبطة بحركة الجهاد الإسلامي، إلا أنها جذبت الشباب من مختلف الخلفيات.

ومن ناحية أخرى، كانت “عرين الأسود” مجموعة مستقلة، سلطت الضوء على عدم وجود مظلات سياسية منظمة للشباب الفلسطيني. وقد أضعفتها الحملة الأمنية الإسرائيلية والجيش على هذه الجماعات المسلحة، الأمر الذي يجعل من حماس نقطة جذب للشباب الفلسطينيين في الضفة الغربية بسبب شعبيتها المتزايدة.

يتمتع قادة حماس السياسيون، باستثناء يحيى السنوار، بشعبية محدودة في الضفة الغربية، ومع ذلك، خلال الاحتجاجات في الضفة الغربية من أجل غزة، كان المتظاهرون يرددون أسماء قادة القسام مثل محمد الضيف وأبو عبيدة. الضيف هو القائد العسكري لكتائب القسام، في حين يشغل أبو عبيدة منصب المتحدث المقنع للجماعة. وكان من أحد أشهر الهتافات في الضفة الغربية هو: “قالوا حماس إرهابية.. كل الضفة حمساوية”.

ويعكس هذا التعبير تزايد شعبية حركة القسام، باعتبارها جماعة عسكرية يمكن أن تجتذب الشباب الفلسطينيين المحبطين في الضفة الغربية الذين يسعون إلى هوية سياسية. ومن المتوقع أن يزداد تجنيد القسام وأنشطته في الضفة الغربية، مما يؤدي إلى تغييرات أمنية في المنطقة.

عودة الجهاديين؟
أثار الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر مخاوف بشأن عودة ظهور الجماعات المتطرفة والجهادية. لكن ذلك لم يكن نتيجة مباشرة لحرب غزة؛ حيث إن إعادة تجميع الجهاديين عملية تستغرق وقتًا، إلا أنها كانت بالفعل قد بدأت قبل حدث الهجوم على غلاف غزة. وهناك عدة عوامل تساهم في ظهور وتراجع الجماعات الجهادية، أهمها التمويل والتجنيد والحاضنات الاجتماعية والجغرافية مثل: (معسكرات التدريب والشبكات وغيرها). ويمكن تصنيف هذه العوامل على أنها – باستخدام مصطلحات الحاسوب- القطع الصلبة “Hardware” والبرمجيات “Software”، فالعوامل المتعلقة “بالقطع الصلبة” ترتبط بالأعمال العسكرية على الأرض، مثل الهجمات وشبكات التجنيد، بينما تبقى عوامل “البرمجيات” مرتبطة بالدعاية السياسية وسردية الخطاب.

وبعد الحرب على غزة، أصبحت هذه العوامل متشابكة. واكتسبت الجماعات المسلحة القومية الإسلامية الموالية لإيران شعبية في العالم الإسلامي، مما تسبب في عدم الرضا بين الجماعات الجهادية السنية، حيث وجد الجهاديون أنفسهم يخسرون الأرض لصالح منافسيهم الطائفيين. ومن أجل استعادة موقعهم في المنافسة، هاجم الجهاديون، الذين رفضوا في السابق فكرة النضال الوطني في فلسطين وأصروا على الصراع الديني مع اليهود، ضريح قاسم سليماني في يناير/كانون ثاني 2024، أعقبه هجوم في موسكو في مارس/آذار 2024.

وقد تؤدي تلك الهجمات والظروف الحالية إلى انبعاث الخطاب الطائفي ويمكن أن تغذيه مآسي حرب غزة، ويمكن أن تقدم هذه الأحداث رواية جهادية تناشد الشباب المحبطين، الذين قد يتم تجنيدهم. ففي السنوات الأخيرة، تراجع الجهاديون بعد هزيمتهم في العراق وسوريا في عام 2017، مما دفعهم إلى التراجع إلى أفريقيا وأفغانستان. إن استخدام مأساة غزة كسردية وخطاب يمكن أن يساعد الجهاديين على إحياء وجودهم في العالم العربي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التصريحات التي يعتقد على نطاق واسع من غزة بمثابة حكايات مثالية لإعادة تشكيل جاذبية تجنيد الجهاديين، وتشمل هذه التصريحات “نفاق الغرب”، و”دعم الغرب اللامتناهي لإسرائيل”، و”خيانة الأنظمة العربية”، و”رحيل الأمة عن دينها كسبب لكل الشرور والهزيمة”، و “من سيحمي أطفال ونساء غزة؟”، و”تحرير فلسطين والأقصى”. [10] وإلى أن يتمكن الجهاديون من استئناف التجنيد، فإن بعض الشباب المسلمين المحبطين قد ينفذون هجمات تشبه عمليات “الذئاب المنفردة” باسم غزة، والتي سينسب للجهاديين الفضل فيها. وسيستخدمون ذلك في محاولاتهم للتنافس مع الجماعات الموالية لإيران.

الخلاصة
أعادت الحرب على غزة تشكيل المشهد الأمني في الشرق الأوسط، مما أثار العديد من التحديات الأمنية. فحيث تعيد إسرائيل تقييم قدراتها الدفاعية والرادعة؛ تعمل الولايات المتحدة على ترسيخ سياستها في المنطقة. ويضاف لذلك، اكتساب الجماعات المسلحة الوطنية – الإسلامية المدعومة من إيران قوة إضافية، مما يسبب توترًا مع الجماعات الجهادية، فمن أجل إعادة تموضعها في المنطقة، تهدف الجماعات الجهادية إلى استغلال الهجمات الإسرائيلية الوحشية في غزة التي أسفرت عن مقتل وتشريد وتجويع عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

حاليًا، يوجد مستويان لتحليل المشهد الأمني في الشرق الأوسط؛ الأول، هو المستوى الجيوسياسي، والذي يشمل الصراع الأمريكي – الإيراني والتوازنات الإقليمية بين اللاعبين المختلفين مثل إيران وإسرائيل والسعودية. والمستوى الثاني يشمل فواعل ما دون الدول، مثل الحركات والفصائل الوطنية المسلحة. ويتداخل هذان المستويان، كما يتضح بعد الحرب على غزة.

يؤدي هذا التداخل للمزيد من العنف في المنطقة بسبب المصالح والأيديولوجيات المتضاربة بين الأطراف المعنية. ففي حين تحاول الدول تجنب الصراعات المفتوحة والواسعة؛ يتحمل فواعل ما دون الدولة المسؤولية عن العنف، حيث يتبنون تكتيكات غير منتظمة لكنها فعالة ودموية.

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

إقرأ ايضاً

لم تتمكن الدفاعات الجوية من إعتراضه…”القسام” تقصف تل ابيب بصاروخ “مقادمة إم 90”

#البلقاء #اليوم #السلط قالت #كتائب #القسام إنها...

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا