الأحد ,24 نوفمبر, 2024 م
الرئيسية موقف البلقاء اليوم «العرب اليوم»: هكذا اختفت «صحيفة العرب في القرن الواحد والعشرين»

«العرب اليوم»: هكذا اختفت «صحيفة العرب في القرن الواحد والعشرين»

839

البلقاء اليوم -
عمّار الشقيريتصوير مؤمن ملكاويالثلاثاء 03 تشرين الأول 2023
يوم السبت، 23 أيّار 1981، تنشر صحيفة الرأي اليوميّة خبرًا في أقل من مئة كلمة عن اقتراحات كويتية سعودية لحلِّ مجلس الوحدة الاقتصادية العربيّة التابع لجامعة الدول العربيّة والموجود في عمّان، أو نقله إلى تونس.لم يكن الخبر دقيقًا على ما يبدو، فنشرت الصحيفة ردًا من المجلس في اليوم التالي.

في اليوم الذي يليه، أوقف الحاكم العسكريّ العام، بتنسيب من وزير الإعلام، صدور الصحيفة ثلاثة أيّام؛ لاعتباره الخبر يضرّ بالسلامة العامّة.

بعد عودتها، كتب رئيس تحرير الصحيفة محمود الكايد مقالًا تساءل فيه: هل يستدعي نشر هذا الخبر تعطيل صحيفة يوميّة، وما علاقة هذا الخبر بالسلامة العامة؟ ولبقيّة المقال، وجّه الكايد نقدًا لسياسة وزارة الإعلام في التعامل مع الصحافة كأنها «طرف آخر لا تريد أن يكون له دور أو اجتهاد أو رأي غير السمع والطاعة»، وأن الوزارة تنصب الفخاخ للصحافة بالتعطيل أو التغريم أو الإغلاق أو سحب الرخصة، وبعد ذلك، تتدخل في صيغة خبر التعطيل أو الإغلاق، كما حدث مع صحيفة الدستور اليوميّة.[1] إثر مقال الكايد هذا عاد الحاكم العسكري، وأوقف الصحيفة عشرة أيّام أخرى.

بهذه الطريقة تعاملت الحكومة مع الصُحف اليوميّة الثلاث في الثمانينيات: الرأي، والدستور، وصوت الشعب،[2] وهي صحف موالية في الخطاب، وتملك الحكومة منذ منتصف الثمانينيات حصة كبيرة من أسهمها. أمّا الصحف الأسبوعيّة المستقلّة، فلم يكن غير القليل منها، وبعضها -مثل شيحان- طُبِعت خارج الأردن من: قبرص، ومصر، والمنطقة الحرّة، ووزّعت في الأردن لأنه لم يُسمح بترخيصها.
لم يكن لهذه الصحف، اليوميّة أو الأسبوعيّة، إذا أقرّت الحكومة إغلاقها أو وقفها، حق الاعتراض أمام القضاء، لأنّ قانون المطبوعات والنشر لعام 1973 الذي ظلّ ساريًا حتى نهاية ذلك العقد لا يسمح بذلك.

في هذه السنوات، خشيت السلطة من وجود صوت سياسيّ غير صوتها؛ لذا راقبت وتدخلّت عن كثب فيما يُنشر في الصحف اليوميّة، ومنعت ترخيص صحف أسبوعيّة مستقلّة.

قانون جديد وصحافة جديدة
بعد احتجاجات هبّة نيسان 1989، دُفعت السُلطة إلى إجراء انتخابات نيابيّة 1989، وإصدار قانونيْ الأحزاب 1992، والمطبوعات والنشر 1993. سهّل الأخير ترخيص الصحف، ومنحها حق الاعتراض أمام القضاء في حال الوقف أو الإغلاق خلافًا لقانون 1973. وقتها، صدرت الكثير من الصحف الأسبوعية؛ الحزبية، وتلك الساخرة، وتلك المخصصة للأطفال، وأخرى للأحداث.

كما ظهرت صحف أخرى قائمة على الإثارة، عبر تناولها حياة المسؤولين الشخصية، أو ترجمة أخبار جرائم من صحف غير عربية، بعد تحريرها وإعادة صياغتها على أنها حصلت في الأردن.
في تلك الفترة، لم تكن هناك خبرة «لا في كيفية التعامل مع الأخبار، ولا في مجال التحقيقات والبحث عن مصادر المعلومات وتوثيقها»[3] بسبب طول فترة الأحكام العرفية التي ضيّقت على الصحافة.

رفعَ عددُ الصحف الطلبَ على الطباعة في مطابع الصحف اليومية، وتأخرَ صدور بعضها بسبب الازدحام؛ لذا أسّس رياض الحروب، ناشر صحيفة شيحان وعدة صحف أسبوعية، شركة الطبّاعون العرب، وهي شركةً مساهمة عامّة ساهمت فيها نقابة المهندسين، والضمان الاجتماعي، ورجال أعمال، بهدف إنشاء مطبعة، وجيء بآلات الطباعة من بريطانيا، وبنيت لها عمارة من عدّة طوابق. لم يمضِ الكثير من الوقت حتى تطوّرت فكرة المطبعة إلى تأسيس صحيفة يومية مستقلّة ذات سقف عالٍ ومحترف في التغطية، في ظل وجود صحف يومية ما زالت ملتزمة بالخط الحكوميّ فأسست مجموعة مساهمين في شركة الطبّاعون العرب، وعلى رأسهم الحروب شركة مساهمة عامة أخرى هي الدار الوطنية للصحافة والإعلام، تصدر عنها الصحيفة اليومية الجديدة. اختير للصحيفة اسم «العرب اليوم» على غرار اسم صحيفة «أمريكا اليوم» (USA Today)، واستلهم رئيس تحريرها طاهر العدوان تجربة صحيفة النهار اللبنانيّة[4] في أن تكون قادرة على نشر أخبار وتحقيقات مهنية تنتقد التقصير الحكومي، وتترك مساحة للرأي الآخر.[5]

استقطبت الصحيفة كادرًا من صحفيين يعملون في الأسبوعيات، خاصة الصحف الحزبيّة، وممن سبق له العمل أو التدرّب في صحف عربية؛ لبنانية وسعودية وكويتية. ودفعت حينها رواتب أعلى مما تدفعه الصحف الأخرى.

وهكذا صدر في العاصمة عمّان العدد الأوّل من «العرب اليوم» صباح السبت 17 أيّار 1997، مع أمل ألا تقتصر تغطيتها فقط على الشأن المحلي، إنما برؤية أن تكون صحيفة «على مستوى العالم العربي»، ولها نسخة أخرى فلسطينية تصدر في القدس[6] وبشعار: صحيفة العرب في القرن الواحد والعشرين.


رسالة الملك حسين إلى الصحيفة في أعدادها الأولى.

حوت الأعداد الأولى، رسالة من الملك الحسين للصحيفة يعبّر فيها عن أمنيته بصحيفة تحمل اسم الأردن إلى الوطن العربي. جاءت الرسالة بعد مقابلة مالكها وبعض طاقمها للملك، وضمّت هذه الأعداد كذلك مقابلات حصرية مع الشاعريْن؛ الفلسطيني محمود درويش والعراقي محمد مهدي الجواهري، والمخرج السوري نجدت أنزور، والفنان اللبناني مارسيل خليفة، ومقابلات أخرى مع جاسوس لـ«إسرائيل» في غزة، ومقال آخر هو خليط بين القصة والتحليل للواقع العربي للشاعر الفلسطيني سميح القاسم حمل عنوان: «نحن العرب اليوم»، وجاءت فيه جملة كأنها تعبّر عن توجه الصحيفة، ومع من سيكون صراعها: «إنه الثالوث الدنس يا أخي، إنه الثالوث الدنس.. الاستعمار، والصهيونيّة.. والرجعية العربيّة».[7]




مقالات وتغطيات في الأعداد الأولى للعرب اليوم.

«طوشة» خالد مشعل
خلال تنقله بالسيّارة، بين بيته ومكان عمله في عمّان، تعرّض رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لمحاولة اغتيال صبيحة الخميس 25 أيلول 1997. بثّت وكالة الأنباء الفرنسيّة الخبر المقتضب، وأصدرت حماس بيانًا تتهم فيه الموساد بمحاولة الاغتيال.

خلال اليومين التاليين صدر في صحيفتيْ الرأي والدستور خبرٌ صغير على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام سمير مطاوع ينفي فيه بيان حماس حول تعرض مشعل لمحاولة اغتيال، وأن ما حدث مشاجرة بين سائق مشعل ومواطنيْن كنديين كانا يتسوقان في منطقة تلاع العلي، فتابعهما السائق واستفزهما؛ فتراشق الطرفان بالحجارة، وأن مشعل لم يكن في مكان المشاجرة أصلًا.

على الجهة الأخرى، توزعت مجموعة صحفيين من صحيفة «العرب اليوم» بعد ساعات قليلة في مكان الحادثة وساروا في خطّ سير فرار المهاجميْن، ثم عادوا ودخلوا مكتب مشعل، ليتشكّل لديهم سيناريو محاولة الاغتيال على الأرض من خلال مقابلة الكثير من شهود العيان. فيما توجهت مجموعة أخرى إلى المستشفى حيث أُسعف مشعل، وتمكّن واحد منهم على الأقلّ من الدخول رغم الطوق الأمني، وتوصّل لمعلومات أوليّة عن الوضع الصحي لمشعل، ووجود جهاز مستخدم في محاولة الاغتيال، ثم أجرى مقابلات قصيرة مع مدير المستشفى، ومساعد مدير الأمن العام.

في مكاتب الصحيفة، قدم أحد المحررين تحليلًا لمحاولة الاغتيال وأنها ربما تكون رسالة سياسيّة للحركة بعد عملياتها الأخيرة في القدس، أو أن تكون محاولة الاغتيال رسالة للأردن بعد تعرض موظفين في السفارة الإسرائيلية لهجوم قبل أيام من محاولة اغتيال مشعل.

نشرت الصحيفة التغطية في اليوم التالي، مع تفاصيل أخرى شملت جنسية المهاجِمين، وتاريخ دخولهم الأردن، بالإضافة إلى أخبار قصيرة أخرى مثل مطالبات بالكشف عن هوية المنفذين.


تغطية صحف الرأي والدستور والعرب اليوم لمحاولة اغتيال خالد مشعل.

قرأ الناس في هذه التغطية شيئًا مختلفًا عن طريقة بعض الصحف الأسبوعيّة في تقديم الجرائم بثوب الإثارة، أو الاكتفاء بالتعليق والتحليل على الخبر، وشيئًا مختلفًا كذلك عن طريقة اليوميات الأخرى التي عادة ما التزمت بالرواية الحكومية.ساهمت هذه التغطية، إضافةً إلى تغطيات أخرى، في رفع اسم «العرب اليوم»، الصحيفة التي قادت منذ يومها الأوّل مواجهة تهدّد وجودها ووجودَ صحفٍ أسبوعية أخرى.


تغطية صحيفة العرب اليوم لمحاولة اغتيال خالد مشعل.

بداية المواجهة
في 11 تشرين الثاني 1997، وكان قد مضى على صدور العدد الأول من الصحيفة أقل من ستّة أشهر، وصل لناشرها قرار من دائرة المطبوعات والنشر بضرورة إعفاء رئيس التحرير طاهر العدوان من منصبه، كونه غير مستوفٍ شرط خبرة عشر سنوات في العمل الصحفي. كان هذا الشرط قد أضيف إلى قانون المطبوعات المؤقت الذي أقرته الحكومة العام 1997. أمّا الدافع وراء القرار، فكان -بحسب العدوان- أن الصحيفة بدأت تبثّ الخوف في صفوف مسؤولين لم يتعودوا أن يعيروا أي اهتمام للرأي العام الأردني.[8]

ظهر اهتمام الصحيفة بالرأي العام منذ الأعداد الأولى لها عندما أفردت الكثير من الصفحات لنشر مقالات وتعليقات شخصيات حزبية ونقابية ونواب معارضين، بالإضافة إلى افتتاحيات أسرة التحرير التي تعترض على قوانين مؤقتة أقرتها الحكومة مثل: قانون الانتخاب الذي ستجري وفقه الانتخابات النيابية عام 1997 على نظام الصوت الواحد، وقانون المطبوعات والنشر المؤقت للعام 1997 الذي بسببه أوقفت عدة صحف أسبوعية، وما تبع ذلك من تغطية الصحيفة لتحرك نقابي وحزبي ونيابي معارض لإقرار هذه القوانين مثل الاعتصامات والاستقالات.

في النهاية، حصلت الصحيفة على قرار من محكمة العدل العُليا بوقف تنفيذ قرار الإعفاء، فلجأت السلطة إلى محاولات أخرى للتضييق على الصحيفة مثل توقيف كتاب مقالات، ورفع دعاوى أمام القضاء على العاملين فيها، أو حتّى مداهمة الأمن للصحيفة والتهديد بوقف توزيعها.

حدث ذلك عندما دخل رجل أمن مكاتب الصحيفة مهددًا بعدم توزيع نسخها إذا نشرت تغطية عن سلسلة جرائم حدثت في عمان، هكذا ظلّت علاقة الصحيفة مع الحكومة في صد ورد حتى جاء يوم المعركة الكبرى التي بدأت نهار 11 تموز 1998.

المواجهة الكبرى
تلقت الصحيفة ذلك اليوم شكاوى من مواطنين بسبب وجود رائحة وطعم ولون غريب لمياه الشرب، تواصلت الصحيفة مع مسؤولين حكوميين فنفوا وجود التلوث. على مدى أيّام واصلت الصحيفة نشر شكاوى الناس، ما اضطر وزارة الصحة لفحص عينات من المياه، ليعلن بعدها وزيرا المياه والصحة سلامة المياه وانتهاء المشكلة، وأن سبب تغيير اللون والرائحة ارتفاع درجات الحرارة.

تواصلت اتصالات الناس بالصحيفة، فخرج صحفيوها وتنقلوا لأيّام بين وزارتيْ المياه والصحة، وطاردوا مسؤولين في الوزارتين وفي الأسواق وأمام بيوتهم حتى تمكنوا من الحصول على تقارير تشير ليس فقط إلى وجود تلوث وإنما كذلك إلى تستر الحكومة عليه منذ شهر تقريبًا.


تغطية صحيفة العرب اليوم لقضية تلوث المياه.

نشرت الصحيفة بعض هذه التقارير، وأثارت القضية الرأي العام ومسؤولين حكوميين، وتدخل الملك من مكان تلقيه العلاج في الولايات المتحدة وبعث برسالة لولي العهد آنذاك، الأمير حسن، لاتخاذ إجراءات بحق المسؤولين المقصرين وعبَّر عن استيائه من أخطائهم، مشيرًا إلى ضرورة وجود عقاب؛[9] فأقيل وزير المياه، لكن الصحيفة ظلت تتابع الملف، ورفعت سقف مطالبها إلى رحيل الحكومة وغطت كل التحركات النيابية والنقابية التي تدفع بهذا الاتجاه.[10]


تغطية صحيفة العرب اليوم لقضية تلوث المياه.

لم يكن إصرار الصحيفة على رحيل الحكومة بسبب ملف المياه فقط، وإنما كذلك بسبب معدل قانون المطبوعات والنشر الذي بعثته الحكومة من جديد العام 1998 إلى مجلس النواب أثناء فترة تلوث المياه، ليقرّه الأخير. صبيحة 20 آب رحلت الحكومة وتحوّل ملف تلوث المياه إلى النائب العام.[11]

كان عنوان هذه المرحلة من عمر الصحيفة، العمل في جوّ انفتاح سياسيّ رافقته حرية صحافة لم تقدر السُلطة على استيعابها أو التكيف معها؛ لكن لم يكن ذلك دون ثمن؛ إذ طُلب من ناشر الصحيفة، رياض الحروب، بيع حصته في الصحيفة نهاية العام 1999، فكتب فيها: «اتضح أن الأعين تراقب التجربة عن كثب، اللعب مع الصغار مسموح بحذر، لكن اللعب مع الكبار يعني استنفار كل مراكز القوى والأجهزة ضدك بالحق والباطل في صراع حياة أو موت».[12]



تغطية صحيفة العرب اليوم لقضية تلوث المياه.

اللعب مع الكبار
كانت الدائرة الاقتصادية في الصحيفة صاحبة السبق في فتح ملفات اقتصادية كبيرة منذ بداية الألفينيات، وقد بدأ نجم هذه الدائرة يرتفع مع مجيء مالك الصحيفة الثاني، رجل الأعمال والوزير الأسبق، رجائي المعشر، عام 2000. في هذه المرحلة صارت العرب اليوم تُعرف أكثر بأخبارها الاقتصادية.

حوّلت هذه الدائرة الخبر الاقتصادي من خبر يحتوي على أرقام مختصّة وجامدة إلى أخبار يجري ربطها بقضايا أخذت جانبًا من اهتمام الناس والمسؤولين ومناقشات مجلس النواب، خاصةً الأخبار التي غطت التحول الاقتصاديّ في الأردن نحو الخصخصة وبيع ملكية الحكومة في كثير من الشركات التي تملكها بالكامل أو أجزاء منها مثل بيع ميناء العقبة، وسكة حديد العقبة، وإشاعات بيع الخدمات الطبية الملكية، ومشاريع شابتها تجاوزات مثل: رخصة أمنية، وكازينو البحر الميت، وديون الأردن الخارجية مثل قضية ديون نادي باريس، وعلاقة الأردن بصندوق النقد الدولي.

وفي الوقت ذاته كان اسم «العرب اليوم» يتأكّد كجهةٍ موثوقة يتجه لها مواطنون ومسؤولون سابقون ورجال أعمال يملكون معلومات ووثائق مرتبطة بفساد أو تجاوزات. وظهر ذلك في عدة قضايا مثل: انهيار أحد سدود الملاحات في البحر الميت 2001، واتفاقية الكازينو 2007، والتعاقد مع شركة ببليسز لتنظيم مهرجان الأردن بعد تنظيمها احتفالات تأسيس «إسرائيل» 2008، أمّا أبرز القضايا التي تابعتها الصحيفة في تلك المرحلة فكانت قضية خالد شاهين. وفي تشرين الأول 2010، صدر قرارٌ قطعي بالسجن ثلاث سنوات لرجل الأعمال الأردني خالد شاهين وثلاثة مسؤولين آخرين بتهم الرشوة والاختلاس في قضية مشروع توسعة مصفاة البترول الذي بلغت قيمته نحو ملياريْ دولار.


تغطية صحيفة العرب اليوم لقضية خالد شاهين.

بعد فترة، سافر شاهين من سجنه في الأردن إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج، فتابعت الدائرة الاقتصادية في الصحيفة السؤال عنه؛ لتصلها معلومات أولية أنه موجود في بريطانيا وليس أمريكا.
زوّد أحد رجال الأعمال الدائرة الاقتصادية في الصحيفة بمقطع فيديو لشاهين في لندن؛ تحققت الدائرة من مقطع الفيديو، وأخذت ردًا من وزير الصحة الذي أكد أن شاهين يعالج في أمريكا، ومن وزير الداخلية الذي شرح لهم أنّ القانون يسمح للسجين بالعلاج في الخارج، ومن وزير العدل الذي أكّد أن ضمان عودة شاهين سيكون عن طريق اتفاقية تبادل المجرمين مع أمريكا. فخرج الخبر: «شهود عيان: خالد شاهين في لندن».

بعد نشر الخبر، تلقت الدائرة الاقتصادية في الصحيفة هواتف مسؤولين سابقين، وأطباء، ورجال أعمال، ليدلوا بشهاداتهم بعدم حاجة شاهين للعلاج في الخارج، وأن أعضاء لجنة المعالجات لم يوافقوا جميعًا على سفره، ثم ليس لدى شاهين أصلًا فيزا لأمريكا.

على مدى أسابيع غطت الصحيفة قضية سفر شاهين؛ وفي نهاية المطاف، فتحت هيئة مكافحة الفساد تحقيقًا في سفره، وأقرّت الحكومة بوجود مخالفات واستعجال في هذا الملف، فاستقال على إثر القضية وزيرا الصحة والعدل.



تغطية صحيفة العرب اليوم لقضية خالد شاهين.

مع بزوغ نجم الدائرة الاقتصادية في الصحيفة، ارتفع سقف مقالاتها التي استمدت معلوماتها من التغطيات التي قدّمتها، وبدا ألّا سقف أعلى من سقف العرب اليوم في كشف الفساد وتوجيه النقد. وقد وصلت الصحيفة لمصادر عميقة، مستفيدة أحيانًا من صراعات مراكز قوى في الدولة. واتهمت الصحيفة، وخاصةً الدائرة الاقتصادية فيها، بأنها تتلقى معلوماتها من هذه الجهة أو تلك وهو ما ينفيه رئيس تحريرها العدوان وكذلك مالكها رجائي المعشر.

ركزت الكثير من هذه المقالات على انتقاد نهج الخصخصة، والسياسات النيوليبرالية، بالمقابل اُتيح في الصحيفة مساحة لمقالات مدافعين عن الخصخصة وأجريت مقابلات مع بعضهم.



بعض تغطيات الصحيفة الاقتصادية على صفحتها الأولى.

لكن في المرحلة ذاتها، خفت نجم تغطيات قسم المحليّات نسبيًا، خاصةً بعد مغادرة مجموعة صحفيين كانوا قد ساهموا سابقًا في تغطيات رفعت اسم الصحيفة مثل: محاولة اغتيال مشعل وتلوث المياه.
انتقلت هذه المجموعة إلى صحيفة الغد التي افتتحت حديثًا عام 2004، بهدف تحسين وضعهم المعيشي، إذ كان قد مرّ على تأسيس العرب اليوم حوالي سبع سنوات من دون زيادة على الرواتب تقريبًا، وستبقى هذه الرواتب مثلما هي كذلك حتى العام 2011، إذ كانت الصحيفة تسجّل خسارة سنوية تصل إلى أكثر من نصف مليون دينار.[13]

صرخة الغريق الأخيرة
في العام 2015 أغلقت «العرب اليوم»، وبيع المبنى بالمزاد العلني، وفُقد أرشيفها الإلكتروني، ولم يعد هناك غير نسختين من أرشيفها الورقي؛ واحدة في مكتبة الجامعة الأردنية وأخرى في دائرة المكتبة الوطنيّة حيث تحفظ أعدادها إلى جوار صحف ورقية أخرى أغلقت مثل: السبيل، والأسواق، وصحف أسبوعية أخرى أغلقت بسبب قانون المطبوعات والنشر لعام 1998. كأنه أريد لتجربة «العرب اليوم» ألا يستعاد ذكرها. في بداية إجراءات المقابلات لهذه المادة، بدا أن هناك قصّصًا أخرى غير معلنةٍ وراء تحولات الصحيفة التي أدى آخرها إلى الإغلاق، ففي البداية ردّ رئيس وزراء سابق شهدت الصحيفة واحدة من تحولاتها الرئيسية في عهده على سؤالنا له، بسؤال آخر اتهاميّ عن الجهة التي تقف وراء فتح موضوع الصحيفة.

وبدا مؤسس الصحيفة رياض الحروب متوجسًا في البداية من إجراء مقابلة معه حول قصّة الصحيفة، لأن أحدًا من قبل لم يسأله أو يحاول فتح قصتها، «استغربت لما واحد سألني واتصلت، قلت عجيب مين هاي الجهة، على أي حال أهلًا وسهلًا». وبدأ بسرد قصة الصحيفة من البداية وكيف استقطب كادرها الأول من صحفيين عائدين للأردن بعد أزمة الخليج، ومن الأسبوعيات المحليّة، ومن اليوميات، ودفع لهم أعلى الرواتب بالمقارنة مع الصحف الأخرى.

كانت الرواتب المرتفعة واحدة من أهم أسباب التحاق الصحفيين بـ«العرب اليوم» في بداياتها، وستكون كذلك إحدى الدوافع الرئيسيّة في توقف الصحيفة؛ إذ بقيت على حالها وتآكلت مع مرور السنوات، لتدفع العاملين في الصحيفة نهاية العام 2010 إلى مفاوضة الإدارة بعد التهديد بالاعتصام والإضراب. ولم يمضِ وقت حتى باعها المعشّر إلى مالك ثالث هو إلياس جريسات في آب 2011، واستكملت المفاوضات لتفضي إلى زيادة بسيطة في رواتب العاملين.[14]

لم تحقق الصحيفة ربحًا في يوم من الأيّام، ولم يصل الإعلان -أحد أهم مصادر دخل الصحيفة- إلى مستوى اليوميات الأخرى بسبب موقفها من السُلطة، بحسب مصادر في الصحيفة في فترات مختلفة من عمرها.

قبل انتهاء العام الذي جاء فيه المالك الجديد، غادر الصف الأوّل من كادر الصحيفة الذي منحها قوتها؛ غادر طاهر العدوان رئيس التحرير إلى الحكومة ناطقًا باسمها؛ كما غادر سلامة الدرعاوي رئيس الدائرة الاقتصادية، وفهد الخيطان رئيس تحريرها الثاني، إثر خلافٍ مع المالك الجديد على سياسة التحرير.

دخلت الصحيفة في عجزٍ ماليّ، وتأخرت في دفع رواتب كادرها أكثر من شهر، ولم تعد قادرة على دفع فاتورة طباعة أعدادها بسبب تراكم خسائرها؛ لتتوقف مؤقتًا يوم 17 تموز 2013.

خلال فترة التوقف، اتخذ مالك الصحيفة قرارًا بتقليص عدد العاملين إلى الحد الأدنى، وتغيير سياسة الصحيفة لتتفاعل مع الأحداث بالمقالات والتحليلات وقراءة ما وراء الخبر. وجاء هذا القرار محاكاةً لنموذج صحيفة القدس العربي التي تعتمد على كادر صغير، وتتفاعل أكثر مع الأحداث العربية بمقالات التحليل.[15]

قلّصت الصحيفة الكادر إلى الحدّ الأدنى، وعادت يوم الثامن من كانون أول 2013 برؤية جديدة، وطُلب من رئاسة التحرير تنفيذها، فخرج العدد الأول بعد التوقف بنصف عدد صفحات الأعداد القديمة، وطاقم صغير، وافتتاحية تشرح التوجه الجديد: «استقطبنا كفاءات جديدة، واستثمرنا في الخبرات الموجودة، واستعنا بكتاب عرب وصلوا إلى العالمية، أكدنا أهمية العمق العربي للأردن، لهذا توسعنا في رسالة العرب اليوم لتصل إلى العواصم العربية من خلال شبكة مراسلين محترفين سوف ينقلون لـ«العرب اليوم» ما يحدث في العواصم الساخنة وفي عواصم صنع القرار».


الصفحة الأولى من صحيفة العرب اليوم بعد عودتها للعمل.

في الصفحة الأولى مقالات: اتصالات بين مرسي وبن لادن، تهديد دولة عُمان بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، مؤتمر جنيف 2 للسلام في سوريا.[16]

أوحى الافتتاح بأن مشروعًا كبيرًا سيبعث الصحيفة من جديد، لكن لم يطل الأمر حتى توقفت الصحيفة يوم 16 تموز 2015 ولم تكن هذه العودة بعد التوقف غير صرخة الغريق الأخيرة.

هناك من يقول إن تاريخ الصحافة الأردنية يمكن أن يقسم إلى قسمين: ما قبل «العرب اليوم» وما بعد «العرب اليوم»، وهذا صحيح، وهناك من يقول إن مستوى الصحافة بعد هذه الصحيفة تراجع كثيرًا، وهذا صحيح كذلك، وهناك من يذهب كذلك إلى أن ما جرى للصحيفة كان بسبب التحولّات التي فرضها تطوّر النشر على الإنترنت ولم تقدر الصحيفة على مواكبته، وهذا صحيح كذلك؛ إذ إن ثمة الكثير الذي يمكن أن يقال، لكن ما يمكن قوله بيقين: كانت لنا ذات يوم صحيفة باسم «العرب اليوم».

ساعد في فهم سياق عمل الصحيفة ومعلومات عنها وعن تفاصيل بعض التغطيات مجموعة من العاملين فيها وهم: أحمد أبو خليل، ووليد حسني، ونبيل غيشان، وأسامة الرنتيسي، وماجد توبة، وسلامة الدرعاوي، وأنس ضمرة.

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع

إقرأ ايضاً

العد العكسي للانتخابات النيابية: قراءة في تفاعل الشارع الأردني

#البلقاء #اليوم #السلط #نخبة #بوست #رولا #أبو...

البلقاء اليوم بالارقام

اسرار المدينة

شخصيات المحافظة

مقالات

هموم وقضايا