الأردن من المدينة الفاضلة إلى المدينة الإنسانية .. بقلم المهندس محمد حسين العربيات

البلقاء اليوم -
الأردن من المدينة الفاضلة إلى المدينة الإنسانية .... بقلم المهندس محمد حسين العربيات

البلقاء اليوم ---السلط


سطر الأردن أروع الأمثلة في التعامل مع وباء كورونا, سخرت الدولة كل إمكانياتها لاحتضان أبنائها وحمايتهم. انتشرت قوات الجيش والأجهزة الأمنية في المناطق والأحياء والطرقات يبعثون الراحة والطمأنينة في نفوس الشعب , وينثرون الورود , والجنود البيض كوادرنا الطبية تواصل الليل بالنهار وتحمل روحها على كفها تسعى لرعايتنا , عندها تذكرت بان الشهداء سقوا تراب الأردن بدمائهم الزكية فانبتت هذه الأرض نشامى يعشقون الأرض, لقد كانت السقيا مباركة وانبتت أطيب الثمار, قال الله تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) (سورة الأعراف).
دعتني كل هذه المواقف إلى البحث في كتب تاريخ المدن ونظرياتها لعلي اجد بلاد تشبه بلادي ,وجذبني مفهوم المدينة الفاضلة , فعدت إلى المدينة الفاضلة كما ذكرها أفلاطون في كتاب الجمهورية, حيث وصف المدينة مدينة خيالية قد تطبق في الواقع، وتساهم في توفير السعادة لكل شخص يسكن فيها, بعد ان قسمها لطبقات تقوم كل طبقة بدورها, ويعتمد تحقيق الرفاهية لمجتمع المدينة الفاضلة على التعاون بين كافة طبقاتها ؛ أيّ أن تتكامل وظائف السكان معا في وحدة واحدة .
أما الفارابي في كتابه ( المدينة الفاضلة ) فقد وصف العلامة المميزة للمدينة الفاضلة بشيوع التعاون بين أفرادها لتحصيل السعادة، " إذ عن طريق التعاون تصبح المدينة فاضلة والأمة فاضلة ومجموعة الأمم فاضلة , فالمدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الأشياء التي تنال بها السعادة في الحقيقة، هي المدينة الفاضلة. والاجتماع الذي به يتعاون على نيل السعادة هو الاجتماع الفاضل، وكذلك المعمورة الفاضلة، إنما تكون إذا كانت الأمم التي فيها تتعاون على بلوغ السعادة " . كما شبه المدينة الفاضلة بجسم الإنسان من حيث أن كل عضو فيها يختص بالقيام بعمل معين، فإذا قام كل عضو بما هو مكلف به من عمل على الوجه الأكمل صار الجسم في مجموعه صحيحاً والمدينة مستقرة.

وقرأت ما ذهب اليه فلاسفة القرن الثامن عشر في كتاب ( المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر) لكارل بيكر من أنماط وتفسيرات تتناسب مع الازدهار والانفتاح والتطوير في ذلك الزمان , وصولا إلى تخيل ما قد ينشأ من مفاهيم للمدينة الفاضلة في ظل الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي في القرن الحادي والعشرين.
إلا إنني وجدت ان الأردن قد تجاوز مفهوم المدينة الفاضلة إلى مفهوم اكثر إنسانية , لعله يكون مفهوم جديد باسم "المدينة الإنسانية ", وهي المدينة التي تسخر كل طاقاتها ومواردها واقتصادها في سبيل حماية الشعب , وان من أسس هذا المفهوم هم الهاشميين على مر التاريخ , واستمدوا هذا المفهوم من جدهم الأكبر رسول السلام محمد عليه الصلاة والسلام ومن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم ) وقال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) , ومازلنا نكرر شعار جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله " الإنسان اغلى ما نملك " . وهذا ما جسده الأصيل ابن الهواشم جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله بالتعامل الإنساني وتسخير كل إمكانات الدولة لحماية الشعب .
اعتقد ان المدينة الإنسانية هي القاعدة الصلبة ونقطة الانطلاق نحو المدن العظمى , والأمل بالشباب في المرحلة القادمة, حيث ابدى جلالة الملك عبدالله الثاني امله بجيل الشباب في اكثر من لقاء ومن أقواله للشباب : "انتم السلاح والذخيرة على الأرض وأنتم الجنود"," اشعر بالطاقة الإيجابية ,واننا بخير عندما اجلس مع الشباب والمس الطاقة والجدية لديهم ,فانتم ترفعون معنوياتي " ,"املي بالجيل الجديد".
الأمل كبير ان يرد نشامى هذا الوطن الجميل للوطن, فالأردن بالقمة ولن نقبل إلا ان نبقى بالقمة بإذن الله .
حمى الله الأردن أرضاً وقيادتاً وشعباً من كل مكروه وأدام الله علينا نعمة الأمن والاستقرار.
م.محمد حسين عربيات
Mohammad.arabyat@yahoo.com

---