البلقاء اليوم - البلقاء اليوم -السلط
حوار ملك يوسف التل – الرأي
حتى نخرج من هذا الوضع الصعب لم يعد يكفي إجراء تعديل دستوري لوحده، أو تغيير حكومة لوحدها، أو قانون انتخاب لوحده، لا بد من حزمة إجراءات استراتيجية
حكومة د. عمر الرزاز، تصارع الأمواج السياسية والاقتصادية والإدارية لكي تبدأ بإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. ولكنها ترتكب بعض الأخطاء التي أصبحت تشبه وضع العصي في عجلة العمل.
هيبة الدولة بمعناها الواسع جرى ضربها بخناجر وسيوف جعلت النزيف قويا وأثرت على المريض وعلى الطبيب المعالج الذي هو الشعب
ما زالت الناس تتساءل هل الدولة جادة في تشجيع الأحزاب وفي محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين؟
الحال الراهن صعب مأزوم، والأمور تتردى، والجهد قاصر ومقتصر على امتصاص السلبيات
بانتهاء عام 2018 أنهيت ترؤسي للجاهات والعطوات
عندما يقول سياسي من سويّة طاهر المصري إنه، اليوم وفي هذه الظروف، ليس مع فكرة أو مشروع الحكومة البرلمانية، فهذا يعني أن لدينا مشكلة أكبر مما نرى أو نتصور. فهو أول سياسي أسمع منه هذا الرأي الذي يصدم لشدة أو كثرة ما يتضمن من مبررات.
ما يعرضه هو شبكة من المشاكل المتراكمة والمستجدة والمتداخلة، يبسطها من موقع خبرة النخبة في العمل العام، دامت 51 سنة. اعتزل الوظيفة فأضحى محصّنا ضد التزلّف، مثلما هو محصّن ضد تصنيفات المعارضة. وهي شيء من سجايا التصوف.
طاهر المصري يرفض اعتزال السياسة التي يراها بعضا من المواطنة الصالحة في الجهر بالذي يؤمن به ويراه.
ولأن لديه فائضاً من أرصدة الموضوعية والجرأة المهذبة المثقفة، مضافا لها نزاهة وتواضع، مع شيء من جينات العناد النابلسي، فإن ما يقوله أبو نشأت في مرحلة مأزومة على المستويات المحلية والإقليمية، يضحي كشفا لا يقلل من قوة صدمته سوى أن الرجل لم يفقد التفاؤل.
المستجدات الأخيرة في الملف السوري لا تبدو واضحة كفاية. القرار المفاجئ الأخير الذي جيّر فيه الرئيس الأمريكي إلى الرئيس التركي حق العمل في سوريا، عسكريا وسياسيا، تحت عنوان محاربة داعش، إلى أي حد يثير قلقنا في الأردن خصوصا وأن تركيا لا تخفي طموح قيادتها باستعادة الامبراطورية العثمانية وتحت شعار الإسلام السياسي؟
أختلف معك بأن تركيا تعمل على إعادة الإمبراطورية الإسلامية، فتركيا تعمل على بناء تركيا.. هي دولة كبرى وكنا نسميها في السابق آسيا الصغرى، فهي تعمل على أخذ وضعها الطبيعي في المنطقة، واستبدلته بسعيها الحثيث عبر عقود من الزمن من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها تركت الاتحاد الأوروبي والتفتت إلى مكانها الطبيعي وهو حلقة وصل بين الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، بين أواسط آسيا التي أصلها تركي وإسلامية وبين الغرب أوروبا.
لا أتهم تركيا بأي اتهام من هذا القبيل، لكن لديها مشكلة الأكراد، وهي مشكلة كبيرة.. الأكراد متمركزون في ثلاث مناطق وثلاث دول، هذه الدول تخاف من طموحات الأكراد أو استعانتهم بقوى أجنبية لكي يفرضوا نفسهم على المواقع التي هم فيها، وتركيا أكثرهم حساسية من هذا القبيل، ولذلك هي تناور. ربما تناور أيضاً لأخذ جزء من الأراضي السورية كما فعلت في الاسكندرون، لكنها لا تبني الامبراطورية الإسلامية، ولغاية الآن الوضع في تركيا أو في المنطقة الكردية لم ينته. الأمر ما زال قابلا للتفاعل في المناطق الكردية.
أيضا طريقة محاربة الإرهاب في المنطقة بتحالفات دولية غير فعالة وآخرها ما فعله الرئيس الأمريكي في سوريا وهو يسلم داعش لتركيا، وسّعت لدى الناس قناعات بنظرية المؤامرة التي تقول إن داعش هي صناعة أجهزة مخابرات وإن هناك من يريد لها الاستمرار والتجدد في تدمير ما بقي من المنطقة:
الإرهاب أساس وجوده محلي. ظروف البلد هي التي تكوّن الإنسان الإرهابي أو عكس ذلك، أي أنها تكوّن الإنسان الديموقراطي أيضا. قلت سابقاً إن الجوع هو بداية الطريق لتكوين الإنسان المؤمن بالعنف. مجرد الشعور بالظلم هو سبب أيضا. عندها يتلقف الأعداء والمتآمرون هذا الإنسان ويقدمون له الحلول فانهم يغرونه لكي يتخلص من الوضع الذي يعيشه، فيدخل في حلقة العنف والتطرف.
هذا لا يعني أبداً أن دولاً عظمى أو دولاً كبيرة تدعم الإرهاب لأسبابها ومصالها الخاصة. وهذه كما أرى تقدم أخطر وأقذر المفاهيم الإنسانية وتنفى كل ما ذكر أعلاه. الأجهزة السياسية والأمنية التي تخلق وتدعم مثل هذه الجماعات المجرمة، تستطيع أيضا أن تصفي هذه المجموعات خلال مدة بسيطة. ولكن استثمار هذا الأمر ما زال مستمراً كما والاستثمار في التلاعب بين المصالح والمذاهب مستمر أيضا.. نعم هذه الجماعات مدفوعة الأجر وانتهى دورها.
منذ أواسط تسعينات القرن الماضي وشواهد فجوة الثقة بين الشارع وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية تتفاقم وتؤكدها استطلاعات الرأي الأكاديمية. ومع ذلك لم يجر أخذ الموضوع على محمل الجد في التحرك والمعالجة. ما تفسيركم لهذا الذي نشهده الآن من حيرة وقلق وعجز ومن تدفقات الشائعات التي باتت تطال مؤسسات طالما كانت مصانة؟
أولاً هيبة الدولة بمعناها الواسع تضرب بخناجر وبسيوف جعلت النزيف قوي جداً وأثرت على المريض وأثرت على الطبيب المعالج والذي هو الشعب. للأسف إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين دوائر الدولة حيث أصابها الكثير من الضعف وعدم الثقة، هذا كله تفسيره في الأمور التي تحدثنا بها بداية.. انتخابات، لا حياة سياسية، وعود بالإصلاح لا تتم، وهناك وضع اقتصادي، ومحاربة الفساد والاستقواء على الدولة من قبل عناصر متعددة محمية متنفذة. صناعة القرار تضيق في الأردن منذ فترة وتصغر، كل هذه وغيرها هي التي تؤدي لما جاء في سؤالك.
أين يقف أبو نشأت من الانطباعات والتواريخ المفترضة للمستحقات الإصلاحية؟.. هل ما زالت عملية الإصلاح لدينا والتي حظيت بالإرادة السياسية الكاملة تسير ببطء من خلال شعارات واجتماعات دون نتائج ملموسة؟
نحن بحاجة إلى خطوات واضحة وملموسة خصوصا في موضوع محاربة الفساد. مشكلة البطء تجعل الناس تشك في النوايا. هناك عدم ثقة بنواب الدولة، في كل دولة هناك قوى شد عكسي، واختلافات في الرأي. هذا طبيعي مسموح. لكن ما زالت الناس تتساءل هل الدولة جادة في تشجيع الأحزاب؟ هل الدولة جادة في اجراء انتخابات شفافة ونزيهة؟ هل الدولة جادة في محاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين؟ هناك شكوك وهذه نقطة أساسية يجب معالجتها من قبل الحكومة. الأمور أصبحت مكشوفة للقاصي والداني.. هناك تفاوت في نظرة الناس للفاسدين، لكن الفاسد لا يستطيع الادعاء بأنه شريف ويصدقه الناس. الناس تميز الشريف من الفاسد ” والشمس لا تغطى بغربال” وإن كان هناك أمور غير متوقعة فإنها انكشفت.. يتحتم إذن وجود تجانس وتناغم بين مؤسسات الدولة وأن يكون على رأس الجهاز الحكومي أشخاص موثوقون ذوو مصداقية وخلفية سياسية قادرون على العمل السريع واتخاذ القرار السريع.
وأعيد وأكرر ان أوضاعنا الراهنة صعبة جدا. والحال الراهن صعب مأزوم، والأمور تتردى، وما زال الجهد قاصرا ومقتصرا على امتصاص كل تلك السلبيات، وما زالت الأسقف تعلو والشعارات تترامى هنا وهناك، وما زالت الضبابية موجودة. وحتى نخرج من هذا الوضع الصعب لم يعد يكفي اجراء تعديل دستوري لوحده، أو تغيير حكومة لوحده، أو قانون انتخاب لوحده … الخ، لا بد من حزمة من الاجراءات الاستراتيجية.
لا بد من استراتيجية سياسية اجتماعية اقتصادية بسرعة.. للأسف أننا ما زلنا نعمل بالقطعة، والدولة لا تعمل بتناسق كامل. الدولة ليس لها استراتيجية محددة، وحتى لو كانت هذه الاستراتيجية موجودة لدى حكومة ما فإنها لن تلبث أن تتغير. حكوماتنا قصيرة المدى، تأتي حكومة جديدة وتغير الاستراتيجية وهذه إحدى بنود الحزمة التي أتحدث عنها.
لدولتكم تجربة مميزة وغنية في شؤون المجتمع المدني العربي إذ توليتم الثقة القومية في ذلك عندما أنيطت بكم هذه المسؤولية لدى الجامعة العربية. وهو الأمر الذي لم يتحقق إلا قليلا. من واقع معايشتكم لواقع المجتمع المدني العربي، كيف تقيمون أداءه ونضوجه ومعيقاته وفرص أن يكون شريكا حقيقيا مع السلطات الثلاث «تنفيذية وتشريعية وقضائية»؟
نمو المجتمع المدني كان نموا طبيعيا ومتحققا بسبب ازدهار هذا الجسم المدني في دول العالم قاطبة، ومشاركته مع الحكومات في إدارة شؤون المجتمع كل في مجال اختصاصه. هذا الأمر وصل متأخرا إلى العالم العربي. بدأ يظهر نمو ونشاط المجتمع المدني في البلدان العربية التي تمارس الديمقراطية وحرية أكثر من غيرها، فازدهر في الأردن ومصر والمغرب. وبدأ ينمو أيضا في شراكته مع القطاع العام، فأصبح هناك القطاع العام والخاص ومن ثم قطاع المجتمع المدني.
المبادرة أتت من عمرو موسى عندما تولى منصب أمين عام جامعة الدول العربية. فهو رجل متفتح تقدمي يؤمن بأن الشارع العربي موحد بشكل معاكس لما هو عليه وضع القيادات العربية. وأن الشارع العربي موجود من خلال مؤسسات المجتمع المدني، فكان ينظر إلى تنمية المجتمع المدني بنوع من التنمية الوحدوية من القاعدة إلى القمة تمهيدا لإجراءات وحدوية عربية. لكن نظام الجامعة العربية وروتينها قللا من إمكانياتها فلم تؤهل الجامعة ولا المفوضية المهمة التي كنت أتولاها لتأخذ دورها الواسع والكبير. لكن تم ترسيخ المبدأ وبدأ التعامل بإدخال مفهوم المجتمع المدني إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية.
ما أريد قوله أن النشاط القطري للمجتمع المدني أكبر وأهم من نشاط الجامعة العربية. وأذكر أننا في الأجندة الوطنية التي جرت صياغتها في 2006 وضعنا فصلا كاملا عن موضوع المجتمع المدني وتنميته. ونأمل أن تصبح مؤسسات المجتمع المدني برقي المجتمعات الأوروبية والغربية.
يتجنب السياسيون أن يخوضوا في لعبة بداية السنة المتمثلة بالتكهنات والقراءات المستقبلية. ومع ذلك نسأل أبو نشأت عن الحدث المحلي الذين تعتبره الأكثر تأثيرا في عام 2018. وكذلك عن قراءتكم للمشهد المحلي كما تتراكم صورته خلال 2019:
الحدث الأول فاجعة البحر الميت التي ذهب ضحيتها طلاب مدارس ومواطنون أبرياء، نتيجة إهمال واضح وعدم الإحساس بالمسؤولية المدنية هو إحساس واقعي ظهر أمامنا بنفس إنساني باهظ.
أما الحدث الثاني في 30 أيار 2018 حينما خرجت فعاليات شعبية عارمة تحتج على ظروف الحياة المعيشية التي أصبحت قاسية. وإصرار الحكومة في ذلك الوقت على موقفها مما أجج الموقف واستقالت حكومة هاني الملقي، وجاءت حكومة د.عمر الرزاز، وها هي تصارع الأمواج السياسية والاقتصادية والإدارية لكي تبدأ بإعادة بناء الدولة على أسس جديدة. ولكنها في هذه الأثناء ترتكب بعض الأخطاء التي أصبحت تشبه وضع العصي في عجلة العمل.
استراحة
قالها الحسين -رحمه الله- «ما تعاملت مع إنسان أشرف منك يا طاهر» ما مناسبتها؟
بسبب إصراري على تقديم استقالتي من الحكومة خوفا من حلَ مجلس النواب وحفاظا على الديمقراطية.
هل ما زلتم لا تردون طلبا لأحد بان تترأسوا جاهته للخطبة أو للعطوة؟
هذا الأمر لم أعد أقوم به إلا للضرورة وللأقارب فقط.. أنهيته بشكل عام بانتهاء عام 2018 حيث كانت آخر جاهة.. أعتذر.
* نطمئن على عيونكم… كانت لكم قبل أيام مقابلة أو ندوة تلفزيونية لم تراع فيها إضاءة التصوير أنكم أجريتم مؤخراً عملية للعيون لا تحتمل الإضاءة الساطعة المباشرة:
لم أقم بعملية لعيوني، لكن كان هناك خطأ وأصلحناه. في المقابلة التلفزيونية كان الضوء قوي جداً فلم أستطيع أن أفتح عينيّ، بسبب ذلك.
أعز ما فقدته بحياتك؟
كثيرة هي الأشياء التي فقدتها بحياتي وآلمتني.. فقدت والديّ وكانا بعيدين عني، فقدت عمي وصديقي ظافر الذي استشهد ولم أره. فقدت شقيقي الذي قتل بالخطأ عن طريق صديقه يوم تخرجه من المدرسة.. والعزيز الذي فقدته الملك الحسين، وعندما ضاعت الضفة الغربية شعرنا جميعا أننا فقدنا جزءا من كياننا العربي، لكن فقدان القدس أدمى قلوبنا، وما يحصل الآن يزيدنا ألما ووجعا على مدار الساعة.
متى شعرت بتأنيب ضمير؟
لم أشعر بتأنيب ضمير … ضميري مرتاح جدا والحمد لله، لكن إذا سألتني هل أخطأت، أقول نعم أخطأت، في أمور عديدة.
لمن تعتذر عن خطأك؟
للشعب والوطن
-
الذكرى السنوية التاسعة لوفاة فقيد الأردن الشيخ عقاب ابورمان
#الذكرى #السنوية #التاسعة #لوفاة #فقيد #الأردن...
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع