البلقاء اليوم -
كتب:علاء الفزاع اتخذ القرار بسرعة هذه المرة. هنا تتضح تماماً قيمة التعديلات الدستورية الأخيرة. ليست المسألة تمهيداً لحكومات نيابية، ولكن تسهيلاً لقرارات من هذا النوع. إنها استمرار للخدمات الأمنية، ولكن هذه المرة مع تطور خطير يتمثل في إلحاق العسكري بالأمني. صانع القرار لا يأبه لما في الشارع من تجاذبات وموجات وتلاطمات وغضب ما بين إشاعات الذهب ورفع الأسعار وغيرها. الضربات ضد داعش خطيرة تماماً على أمن الأردن، وهي استجابة صريحة لطلبات سعودية وأمريكية، ويبدو أنها استجابة مدفوعة الثمن. بالعودة قليلاً إلى الوراء، تنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات السلفية الجهادية ما كان لها أن تنمو داخل الأردن بهذا الشكل لولا التسهيلات الرسمية. على سبيل المثال كان أبناء معان يشكون طيلة عقد كامل من أن الدولة تغض الطرف عن الجهاديين وعن المهربين والمجرمين في المدينة، لتقضي على أي حراك وطني فيها. تكرر نفس الشيء في السلط وفي غيرها. وهذه التنظيمات ما كان لها أن تجتذب أكثر من 3 آلاف أردني إليها يقاتلون معها في سوريا وفي العراق لولا التسهيلات الرسمية، أو على الأقل غض الطرف المتعمد عن الحدود مع سوريا. قلة من الأردنيين توجهت إلى سوريا عبر تركيا، والنسبة الأكبر مرت عبر الحدود التي قيل ويقال أنها محروسة جيداً. وبالفعل فقد نشرت تقارير وإحصائيات دولية موثوقة قالت أن الأردن هو صاحب أكبر نسبة من الجهاديين المقاتلين في سوريا مقارنة مع عدد سكانه. أحد التساؤلات التي تطرح هنا، هل حسب صناع القرار احتمال أن يقتل أردنيين من داعش والنصرة في هذه الغارات؟ بل واحتمال أن يقتل بعضهم بقنابل أردنية؟ وماذا سيكون رد فعل أقاربهم في الأردن؟ في ثمانينيات القرن الماضي رعت الدولة الأردنية انتقال عدد من الشبان إلى أفغانستان ، وكان ذلك لقاء أثمان سياسية، أو غيرها ربما، حيث شارك أولئك المغرر بهم في قتال الاتحاد السوفييتي، ليتم اعتقالهم بعد أن عادوا إلى بلادهم. اليوم نحن أمام سيناريو مشابه ولكن أوسع كثيراً وأقرب إلى حدودنا. اليوم لدى هؤلاء حواضن اجتماعية واسعة جداً، يعززها شعور الفقر والتهميش والغضب والإحباط. إذاً خطرها على الأردن ليس محصوراً بالخشية من عمليات انتقامية. الأردن بالتأكيد على قائمة أهداف داعش والتيار السلفي الجهادي عموماً. ولكن مجابهة ذلك الاستهداف لا تكون أبداً بغارات من هذا النوع، فيما يستمر حتى اللحظة تجنيد المقاتلين من داخل الأردن، وفيما يستمر الغضب والاحتقان والشعور باللا جدوى. الحل الأمني في التعامل مع هذه التنظيمات مطلوب ولا بد منه مع من لا يؤمنون سوى بالعنف والإرهاب، ومن تشوهت نفوسهم وعقولهم وأذهانهم إلى حد كبير، ولكن بالتوازي معه لا بد من برنامج وطني لإعادة التأهيل للجهاديين العائدين من الخارج أو من يرغبون بالعودة، إضافة إلى معالجة حقيقية للفساد ولمشاكل الدولة التي هي الصدع الذي تخرج منه كل الوحوش والشرور. في هذه المرحلة بالذات، وفي ضوء كل المعطيات القديمة والجديدة، يمكن القول بضمير مرتاح أن المشاركة في هذه الحرب هي خدمات أمنية تستثمر الموقع الجيوسياسي للأردن ، وتتاجر بالجهاديين الذين تم تركهم وغض النظر عنهم ليتم استخدامهم كمبرر وعامل ضافي لتسويق هذه الخدمات الأمنية، دونما اعتبار للآثار الارتدادية على أمن الأردن نفسه. هي إذاً حرب التجار. إنها باختصار ليست حربنا