يوسف الطيراوي .. عرفته بعد موته .. بقلم الاستاذ مطلب العبادي

البلقاء اليوم - يوسف الطيراوي ...عرفته بعد موته

البلقاء اليوم --السلط

كثير من المشاهد والمناظر تتمنى أن تعرف عنها لكنك تفقد السبيل إلى ذلك، فقد تشاهد بيتا مهجورا وترغب معرفة من سكنه، أو فردا من البشر يجلس في مكان من عشرات السنين وتتساءل ما الذي يجلسه هنا، فالفضول الضيق لدى ساكني هذه المدينة الانيقة، واحترامهم لعابر السبيل ، واحترامهم لحريات الناس في التنقل والعيش فيها يجعلهم يجهلون الكثير عن بعض الناس .
من عشرات السنين وأنا أشاهد شابا في مقتل العمر وربما من أوائل السبعينيات، وقد فقد قدميه الاثنتين يزحف في الصباح الباكر متجها إلى رأس العين سالكا شارع الحمام العريق في مدينة السلط قادما من جهة الجامع الصغير، يضع على ركبتيه وكفتي يديه قطع من (الكاوتشوك) تحميه من خشونة الطريق، يسير حبوا دون التفات أحد إليه ودون طلب مساعدة من قبله .
في وقت الظهيرة تجده وقد جلس على (دكة) فوق حمامات رأس العين وقد بسط ــ بتشديد السين ـ( بحبات خيار وبندورة وكوسا ) وغيرها من النخب الثاني، بل ربما الثالث والرابع يبيعها بزهد الثمن، ثم يعود من حيث أتى بعد الظهيرة، تابعته عرضا فبعد الجامع الصغير من جهة شارع الميدان تنقطع مشاهدته بالنسبة لي حيث ينتهي فضولي هناك بالالتفاف إلى جهة أخرى أنشدها .
ثم شاهدته في التسعينيات وقد تبدل الامر لديه بعربة يتم تبديل وتسريع الحركة فيها من خلال اليدين محاكاة لبدالة الدراجة الهوائية وكأنها صنعت بتوصية منه، أو صنعها أحد لأجله ويمارس أعمال البيع بنفس الطريقة، زبائنه من فقراء القوم الذين ينشدون أقل الاسعار ومن محبيه الذين يرغبون ربما مساعدته، وأخيرا حط به المقام في محل تجاري في الشارع الآخر القادم من منطقة الخضر أ السكافية)، وربما بسبب تقدمه بالعمر ، حتى اختفى عن الظهور أخيرا وقد أقعده المرض .
عرفت اسمه بعد مغادرته الدنيا من منشورات الاصدقاء ( محمود قطيشات) ومن صفحة الكاتب محمد العمايرة وصفحة الدكتور محمد حياصات ، أن اسمه يوسف الطيراوي ، قد قدم بعد النكبة الثانية من فلسطين بمعاناة شديدة جرى جزء منها زحفا على ركبتيه وسكن هذه المدينة التي لم تقفل ذراعيها بوجه أحد، وأنه رجل عفيف شريف آل على نفسه الا أن يأكل من عرق جبينه ولا يسأل أحدا ، فتحية لمن وقف لجانبه ولمن ساعده وتحية لزوجته الضريرة وللخوري مروان ولابن شقيقه وجيرانه ولأهل السلط الكرام ، ورحم الله يوسف الطيراوي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .
مطلب العبادي
18 / 12 / 2018